لا يزال مخيم عين الحلوة هو الملف الأمني الأكثر تعقيداً على الساحة اللبنانية في هذه الفترة، لا سيما بعد أن تأكد بما لا يقبل الشك أن هناك من يرغب بتوتير الأجواء داخل المخيمات في لبنان، لأهداف واحدة تصب جميعها في خانة القضاء على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، كمقدمة لطرح مشروع توطينهم.
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر فلسطينية متابعة أن من غير الوارد وضع سلسلة الأحداث التي حصلت في الأشهر الأخيرة في "إطار عادي"، لا سيما بعد محاولة الإغتيال الفاشلة التي تعرض لها قائد الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب، لأن الأمور باتت واضحة، وبالتالي ينبغي التعامل معها بطريقة أخرى ضمن منطق المرونة والحزم معاً، حيث تتجاوز الحادثة الأخيرة عملية مطاردة سيارتين لأبو عرب خلال عودته إلى منزله الكائن في منطقة عبرا-صيدا.
وترى هذه المصادر، عبر "النشرة"، أن ما حصل يعتبر بالدرجة الأولى رسالة إلى قائد الأمن الوطني الفلسطيني شخصياً، كشخصية توافقية إستطاعت أن تجمع مختلف القوى والتيارات في المخيمات في إطار العمل على ضبط الأمن ومنع إنزلاقها نحو المجهول، في ظل التطورات في لبنان والبلدان المجاورة، لا سيما بعد أن كان بمثابة "الأب الروحي" لوثيقة التفاهم التي وُقّعت بين أغلب القوى الفلسطينية والإسلامية قبل مدة قصيرة.
من جهة ثانية، تعتبر المصادر نفسها أن ما حصل يؤشر على وجود من يريد القول ان من غير المسموح أن تذهب القوى الفلسطينية بعيداً في عملية تشكيل أي مرجعية أمنية أو سياسية فاعلة على الأرض، تكون لها القدرة على ضبط الأوضاع، وتشير إلى أن من يقف وراء هذا المخطط يمتد إلى خارج الحدود اللبنانية لأن هناك جهات إقليمية ودولية لها مصلحة كبيرة في نجاحه.
وتلفت المصادر الفلسطينية إلى أن جميع الأحداث التي وقعت خلال الأشهر الأخيرة، سواء كانت سياسية أو أمنية أو إجتماعية، تندرج جميعها ضمن مشروع القضاء على حق العودة الذي من المؤكد أنه سيكون مقدمة لطرح مشروع التوطين مجدداً، مع تشديدها على أن هذا الأمر غير وارد فلسطينياً أو لبنانياً، وتوضح أن هذا الخطر هو الذي يدفع القيادات المعنية إلى التعاطي مع أي تطور بهدوء ومرونة، بالرغم من وجود القدرة على الحسم سريعاً، لكن مع وجود تجارب إدخال المخيمات في مواجهات، تؤدي إلى تدميرها وتشريد أهلها، لا يمكن القيام بذلك دون إجراء دراسة شاملة، وترى أن الأوضاع لا تزال تحت السيطرة إلى حد بعيد بالرغم من المحاولات الجدية لتفجيرها.
من ناحية أخرى، ترى مصادر أخرى أن ما حصل مع أبو عرب قد يكون مرتبطاً بالدورة العسكرية التي تنظمها حركة "فتح" في مخيم الرشيدية لعناصرها لتأهيلهم في المجالات العسكرية والثقافية والسياسية، لا سيما أن بعض القوى أثارت حولها الكثير من علامات الإستفهام، خصوصاً أنها الأولى من نوعها منذ سنوات طويلة، إلا أن مصادر "فتح" تؤكد أن هذه الدورة تأتي في سياق العمل للحفاظ على أمن واستقرار المخيمات، وتلفت إلى أن أغلب المشاركين فيها سيلتحقون بعد إعدادهم بالقوة الأمنية المشتركة المؤلفة من كافة الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية، وتكشف عن أنها تحصل بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية المعنية.
في المحصلة، تمر المخيمات الفلسطينية في لبنان بمرحلة صعبة جداً، ينبغي معها التنبه إلى أي تطور أمني أو سياسي قد يقع، ومن الممكن أن يساعد النجاح في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية بعد سنوات من الخلاف بين حركتي "فتح" و"حماس" في عملية ضبط الأوضاع بشكل أفضل.