للسيادة والاستقلال والحرية مفهوم آخر في قاموس «المقاومة»، وللبرامج الوطنية بُعد يتعدّى البعد السياسي. يتأتّى الى الذهن سؤال: «برنامج وطني؟ بندقية ومشط وسطح وقنّاص؟ بعبدا وطريق الجديدة؟» تختلط الأمور على المواطن اللبناني، فمنذ يومين شاهد «فيلماً» من على سطح أحد المباني يُظهر قنّاصاً «مقاوماً» طبعاً يحتفل بذكرى التحرير، ويبدو أن المقصد من التصوير هو النشر، والشباب من حوله يشاركونه الرأي، الكل يريد إسقاط بعبدا وطريق الجديدة، والكل يؤيّد بشّار الأسد.. فما الرابط بين الوطنية والسيادة من جهة والسلاح والاستفزاز والمجاهرة بنيات العداء للشركاء في الوطن من جهة أخرى؟
التسلسل المنطقي لا يشير سوى الى تناقض في المفاهيم. والعودة الى كلام أمين عام «حزب الله» في يوم التحرير يزيد من المشهد ضبابية: إذا كانت «المقاومة» هي التي تحمي الدولة فلمَ يهدّد «المقاومون» أبناء تلك الدولة من طوائف أخرى وفقاً لرمزيات المناطق المذكورة؟ وإن كانت «المقاومة» هي التي تحمي الدولة فهل السيادة في سياق حديث «المقاومين» تخصّ الدولة أم «المقاومة»؟
بعد الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، في ظلّ الفراغ المحضّر له عن سابق تصوّر وتصميم من قبل فريق 8 آذار، فإن «حزب الله» يُظهر «إبداعاً» في تحديد مفاهيم حديثة لمصطلحات يتّفق علماء السياسة على تعاريفها كما وردت في الكتب الجامعية. كل هذا لا يروق الى «حزب الله»، وانطلاقاً من حرصه على عدم «تضليل» شعب بكامله قرر رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد أن يثني على الجهد الذي بذله الأمين العام قبل أسبوع ومتابعة «الرسالة» الموكل بها. ويضع رعد اللبنانيين أمام خيارين: ضدّ «المقاومة» فليرحل، مع «المقاومة» فليبقَ!
وبينما يدور استعراض «الكلش والمشط» على السطح، فإن التخوين يُطرح على «رأس السطح»! والجملة حرفياً: «من كان يريد رهن البلاد في برامج الدول الكبرى فليبحث عن وطن آخر»، ألم يكن أسهل طرح الأمر من الناحية المقابلة؟ اللبنانيون الوطنيون لا يريدون بلداً لهم بديلاً عن لبنان ولا يسعون الى تنفيذ مخطّطات دول أخرى وفرضها على شركائهم، هم فقط يريدون العيش بطمأنينة تحت عباءة الجيش اللبناني وسلاحه الشرعي، بدل جلب ولاية الفقيه من إيران الى لبنان، وتهريب السلاح منها عبر سوريا وصولاً الى لبنان، ثم إحضار مدرّبين من هناك الى تدريب شباب لبنان الى القتال أو القتل.. 

لا يمكن لنائب في البرلمان اللبناني أن يفرض خياراً على الوطن بكامله ولا أن يُملي عليه توجّهاً ليس في صلب قناعاته.. فالوطن مكوّن من شعب وسلطة، وللدولة شخصية معنوية لا يحميها سوى الدستور اللبناني، ولم يُذكر في هذا الدستور بأن «هذا الوطن يتمسك بخيار المقاومة»، مَن يمكنه إثبات ذلك؟ فهذا الوطن متمسّك بالدستور وبشرعية السلاح وبخيار اللبنانيين الذي لا يمكن تحديده بغياب الانتخابات النيابية ومن ثم تعطيل الانتخابات الرئاسية!
افتُضحت خفايا «المقاومة» بعد 25 أيار، فقد انتهى عهد الرئيس السابق العماد ميشال سليمان الذي كان يقف بالمرصاد للردّ على أي اعتداء على هيبة الدولة، وخلت الساحة للمعطّلين في تحديد ما يشاؤونه من خيارات، يقرّرون عن الوطن كأنما الوطن قاصر، بينما «المقاومة» هي القاصرة، هو الأصل وهي المستجدّة. 

بنظر رعد إن «المقاومة تصنع له (لمَن يريد رهن البلاد) حريته وقدرته واكتفاءه الذاتي وتصنع له الكرامة والمهابة».. الواقع إن نواب «المقاومة» بحاجة الى عقود وعقود لإقناع اللبنانيين بهذه النظرية، فالكلام يبقى مجرّد نظرية الى أن يتم إثباته، فأي حرية وأي قدرة وأي اكتفاء؟ أي كرامة وأي مهابة؟ لم يعدْ يجرؤ اللبناني على المجاهرة بحريّته أمام الآخرين، فالمواطن الذي تحميه الدويلة ستكون دائرة تحرّكه أضيق من المواطن الذي تحميه الدولة. ومن يهاب اليوم لبنان إن كان العدو نفسه لم يَهَبْه في الحروب فدمّر منشآته وبناه التحتية وقتل أبناءه؟
البرنامج الوطني كما يشرحه رعد هو «برنامج حياة في السياسة والاقتصاد والأمن والدفاع»، هل يُفهم من ذلك أنه أشبه بالتأمّل الروحي؟ البرنامج الوطني هو برنامج حياة! فما هو برنامج الحياة أصلاً؟ هل هو متعلّق بتوقيت الاستيقاظ وتناول الطعام والنوم؟ هل هو برنامج حمية معيّنة؟ الدعوة واضحة، «المقاومة» تريد من اللبنانيين جميعهم أن يتركوا حياتهم وأن ينضموا الى أسلوب حياة جديد يتضمّن إملاءات تربوية، تعليمية، تثقيفية، قتالية، ميليشياوية لتكتب لهم الموت في ربيع عمرهم.

كارلا خطار