بدأت معالم الخريطة السياسية ترتسم في أفق المنطقة في ظل استعار الحرب الباردة بين واشنطن من جهة وموسكو من جهة ثانية، فبعد الانتخابات العراقية التي أدت إلى فوز المحور الايراني – الروسي، ممثلاً برئيس الوزراء العراقي نور المالكي واستمراره الرقم العراقي الأصعب على حساب المحور الأميركي، ممثلاً بالمملكة العربية السعودية، حقق المرشح للرئاسة المصرية عبد الفتاح السيسي فوزاً كاسحاً ليحل مكان الرئيس المعزول محمد مرسي، ولينهي حقبة "الإخوان المسلمين"، ليس فقط في مصر بل في البلدان العربية وتركيا على حد سواء، فضلاً عن  وضوح المشهد الانتخابي في سوريا حيث تفاجأ المراقبون بحجم المشاركة التي شهدتها السفارات السورية المنتشرة في الدول العربية والغربية والأوروبية على حد سواء، وهي جاءت لتؤكد على حتمية فوز الرئيس السوري بشار الأسد في ولاية جديدة تستمر سبع سنوات كافية لتعزيز دور المحور الروسي في المنطقة، ولتكرس وجود البحرية الروسية في مياه المتوسط لحماية حقول الغاز المكتشفة لعقود طويلة، ناهيك عن بروز مفاعيل الاتفاق بين السلطة الفلسطينية من جهة وحركة "حماس" من جهة ثانية، والذي أدى إلى تسمية رئيس حكومة ائتلافية جديد من المرجح أن يعلن عن تشكيلة متفق عليها بين الجهتين، في مشهد يعزز المشهد التوافقي ويؤسس إلى مرحلة جديدة من التعاطي بين الدولة العبرية والسلطة الفلسطينية.
واذا كانت الانتخابات المصرية قد جاءت وفقاً لتوقعات المراقبين مع فارق بسيط، وهو أن فوز السيسي تحقق من الدورة الأولى، فإن نتائج الانتخابات السورية المعروفة سلفاً، ستؤسس بدورها إلى اعادة  رسم المسرح العربي برمته، خصوصاً أن هناك معلومات متداولة في الكواليس الدبلوماسية عن عزم مصر الجديدة اعادة العلاقات مع سوريا كما كانت في السابق، اكان لجهة الدفع باتجاه اعادة دمشق إلى احضان جامعة الدول العربية والعمل على اجراء مصالحات مع الدول الخليجية، تمهيداً للقضاء بالكامل على ظاهرة الإخوان، ليس فقط من الناحية العسكرية والأمنية بل من الوجهة السياسية بكل ما للكلمة من معنى، وذلك من خلال تشكيل جبهة عربية عريضة للقضاء على المنظمات المدرجة بشكل أو بآخر على لوائح الارهاب الدولي والعربي، ومن ضمنها الإخوان و"القاعدة" وما يتصل بهما من مجموعات مدعومة من هذه الدولة أو تلك.
في السياق عينه، تدرج تقارير صادرة عن مراكز دراسات استراتيجية المشهد الجديد في خانة استعار الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، وهي حرب سياسية اقتصادية بامتياز من الصعب التكهن بنتائجها بعد نجاح روسيا في تعديل موازين القوى السياسية من خلال نجاحها في اسقاط الاحادية الأميركية في ادارة العالم، ودخولها شريكاً مرجحاً في أكثر من بقعة ملتهبة في العالم، ليس أولها أوكرانيا ولا آخرها سوريا مروراً بلبنان المنتظر لوصول تداعيات التحولات العاصفة بالعالمين العربي والاسلامي اليه.
هذا لا يلغي صورة الاتفاق مع الصين. بيد أنه من المفيد والضروري التوقف عنده ليس لكونه مجرد اتفاق بين دولتين مؤثرتين وفاعلتين في المحافل الدولية ومجلس الامن، بل لأنه اعتمد في التعامل الطويل الامد على العملتين المحليتين في محاولة جادة وقد تكون ناجحة بنظر الكثير من الخبراء الماليين لاسقاط وهج الدولار الأميركي واليورو الاوروبي في ظل واقع اقتصادي صعب بالنسبة للعملتين المذكورتين اضافة إلى الارباكات السياسية الناجمة عن هذا الواقع بحيث انقلبت العقوبات الأميركية الأوروبية المفروضة على روسيا ضدهما، خصوصاً أن هذا المكسب ترافق مع مكاسب سياسية وعسكرية في المنطقة العربية الخاضعة بدورها لمفاعيل التحولات الدولية وتداعياتها.