فجأة إستيقظَ البعض على مخاطر اللجوء السوري. كأنه إكتشف البارود! والأنكى أنّ «عجقة السير» هي التي تكفَّلت بالإيقاظ لا التقارير والدراسات البالغة الخطورة التي تصدرها المؤسسات المعنية. هذا الشعب النائم... هل مستغربٌ تعطيلُ إستحقاقاته وتفكُّك مؤسساته!

مرةً أخرى، ثَبُتَ بالعين المجرَّدة أنّ لبنان بشعبه وسياسيّيه ومسؤوليه يعيش على ردود الفعل السطحية لا على الأفعال. فالأرقام المرعبة في ملف اللاجئين لم تشكل إنذاراً مبكراً لأحد، فيما تجمُّعُ بضعة آلاف منهم في الشارع أشعل الغضب.

المسؤولون يتصرفون على قاعدة: «ما سمعتُ وما رأيت». أما في الأوساط السياسية فتذكَّر الجميع أنّ التدفُّق العشوائي للاجئين ينذر بمخاطر. لكنّ أحداً لم يعترف بمسؤوليته عن تفاقم الأزمة، لا في السلطة ولا في خارجها، ولو أنّ اللحظة مناسبة لتحديد المسؤوليات.

الخطيئة الأصلية هنا إرتكبها حلفاء النظام السوري، ولا سيما منهم «حزب الله» الذي قاوم طروحات 14 آذار القاضية بترسيم الحدود اللبنانية ـ السورية وضبطها، ولو بقوات دولية. وهذا المَخرج كان سيمنع التورُّط في الملف السوري ذهاباً وإياباً وينظّم عملية اللجوء.

وهنا يجدر الإعتراف بأنّ القوى المسيحية كلها، في 8 و14، كانت أشدّ حساسية، لأنها عاشت تجربة اللجوء الفلسطيني. لكنّ موقف كلّ منها كان ناقصاً. فالنائب ميشال عون طالب بمنع الدخول، لكنه لم يُقْنِع حلفاءه بإنهاء فوضى الحدود، فجاءت مطالبته ناقصة.

وأما مسيحيو 14 آذار فتمسكوا بضبط الحدود، لكنهم لم يقنعوا حلفاءهم بالأَبعاد الكيانية للملف. فاللاجئون السوريون معادون للنظام إجمالاً، وينسجمون سياسياً وإجتماعياً مع البيئة السنّية في لبنان. ولذلك، فضّلت 14 آذار تغليب الجانب «الإنساني» على الجانب السياسي أو حتى «الكياني». وكان الأجدى بها أن تبادر هي إلى إبتكار التسوية بين الجانبين.

وفي البيئة الشيعية، إستثمر «الحزب» فلتان الحدود قبل أن يتذوَّق مرارة الحراك الأمني الذي قضَّ المضاجع في الضاحية والبقاع. وأما في البيئة السنّية، فظهرت الأولوية للتداعيات الإقتصادية - الإجتماعية، والحصول على مالٍ من المؤتمرات الدولية، وبدا الهمُّ الكياني في المرتبة الثانية.
لذلك، يُطرَح السؤال: مَن سيتبرّع بإيجاد التسوية ما بين محظورَيْن في ملف اللاجئين: العنصرية الكريهة مقابل المصالح الفئوية المدمِّرة للكيان؟

ملف اللاجئين يختصر الأزمة اللبنانية، سياسياً وأمنياً وطائفياً ومذهبياً وإقتصادياً وإجتماعياً. ولو لم يكن كذلك، لكان الحلّ سهلاً. فالنموذج الأردني أو التركي يصلح للبنان، لو كان المتنازعون على أرضه يرَونه وطناً، لا مجرد ساحة للقتال. وهذا الخلل هو الذي أوقع لبنان في الحروب المتناسلة منذ نصف قرن، والتي أشعلتها فوضى الوجود الفلسطيني المسلَّح.

في مفهوم الدُول، ليس هناك نصف قانون: إما القانونُ كاملاً وإما الفوضى. ولذلك، يقدِّم نموذج السلاح الذي يتمسك به «حزب الله»، والمحميات الأمنية الفلسطينية، وفلتان الحدود، والتورُّط في الملف السوري، أدواتٍ جاهزةً لإستحضار الفتن في أيّ لحظة. وجاءت أزمة اللاجئين لتزيد المخاطر.
ومَن لا يصدق، يمكنه التمعُّن في كمية الحقد والكراهية اللبنانيين، التي أظهرها الإعلام ووسائل التواصل.

و»الجنَّة» اللبنانية من «اللاقانون» يستفيد منها كثيرون، ومنهم السوريون الذين يدخلون في هيئة لاجئين، وقد يكون فيهم لاجئون فعلاً، وقد لا يكون. وإضافةً إلى تحديد مواصفات اللاجئ وسُبُل دخوله وإقامته، المطلوب خصوصاً تحديد النسبة المسموح بها من الأجانب في لبنان.

فهل هناك بلد في العالم يسمح بأن يكون سكانه الأجانب بمقدار 50% أو 60%، أو حتى 100% من شعبه، كما يتوقع الباحثون إذا إستمرت الحرب في سوريا عاماً أو عامين آخرين أو أكثر، وهذا ممكن جداً؟ وخلال ذلك، ثمّة مخاوف من إنقلابات ديموغرافية في كثير من الكيانات الإقليمية، وقد لا ينجو لبنان من تداعياتها.

والشرط الأساسي لولادة التسوية ما بين العنصرية المقيتة والفلتان المدمِّر هو أن يتوقف الجميع عن ممارسة المزايدات الشعبوية. فهل يستيقظ اللبنانيون قبل خراب البصرة...؟ أم أنّ أهل البصرة «مبسوطون» بخرابها، لأنّ طموحاتهم تتجاوز حدودها؟