عاد الحديث بقوّة عن أهمية الرجل الأمني في رئاسة الجمهورية. الكلام خرج من الدوائر الصغرى، لم يعد تناول الموضوع سرّاً ولا محرّماً أو له تبعات على ما بدا سابقاً من خوف في التعاطي مع هذا الواقع.  ترشيح "أمني" أصبح علنياً كغيره، لا سيما في الأوساط السياسية المريدة لهكذا سيناريو والرافضة على حدّ سواء، ينشغل هؤلاء بالطريق التي سيسلكها، للخوف مكانه في هذه الحسابات.

كل الهواجس تنصبّ على الجانب الأمني، العرف يقضي بإنجاز أي استحقاق لبناني بعد خضة أمنية، هذا ما سارت عليه الإستحقاقات في السنوات الأخيرة. مصادر واسعة الإطلاع تشير لـ"المدن" إلى وجوب مراقبة الأحداث الأمنية المتنقلة في أكثر من منطقة، الإعتداء اليتيم على الجيش في طرابلس قبل أيام، إشارة معيّنة، الإشتباكات المتقطّعة في مخيّم عين الحلوة، لها مفاعيلها، الإستعراضات التشبيحية في بيروت والمناطق تأييداً للأسد، تشي بإستفزازات معيّنة قد تحمل بعض التوتّر.

موضوع المخيّمات يشكّل الهاجس الأكبر بالنسبة للمصادر، التي تشير لـ"المدن" إلى أن "الخروج من المأزق الرئاسي، قد يشهد سيناريو شبيهاً بذلك الذي أوصل الرئيس ميشال سليمان إلى بعبدا"، ورجّحت المصادر أن "تشهد الفترة المقبلة توتراً أمنياً غير مسبوق في مخيّم عين الحلوة، قد يبدأ بين الجماعات الإسلامية المتطرفة، ليصل إلى إعتداءات على القوى الأمنية اللبنانية، وهذا ما سيدفع الجيش إلى التدخّل بحزم لإنهاء هذه المظاهر". 

لا تخفي المصادر ارتفاع حظوظ قائد الجيش العماد جان قهوجي الرئاسية، مضيفة: "بحال وقع الحدث الأمني في عين الحلوة، بالتأكيد فإن القهوجي هو الرئيس المقبل، لأن عنوان المرحلة الحالية في المنطقة هو محاربة الإرهاب وما شاكل، وبالتالي لا خيار
إلا لرجل أمني في بعبدا". 

المقبل الأسود من الأيام اللبنانية الرئاسية اختصرها النائب وليد جنبلاط، ببضع كلمات نبّه عبرها من الخطر الداهم. قال: "الرئيس ميشال سليمان كان شجاعا أما تجارب الغير فكانت مريرة، والله يستر من يللي جايي على الميلتين". كلام جنبلاط ليس عبثياً، بل في جزء منه، يستشرف سيناريوهات منسوجة بعناية، "الميلة" الأولى قصد بها جنبلاط هي استغلال الوضع الأمني لفرض رئيس، أما الثانية فهي هوية الرئيس الذي سيأتي ومعروفة حساسية العسكر عنده (العلاقة مع الرئيس ميشال سليمان كانت إستثناء). 

في المقابل، هناك من يرى سيناريو مغايراً، يعتبر أن "جرح نهر البارد لم يختم بعد، فلا أحد يتحمل الدم خصوصاً في هذه الظروف"، بعيداً من السيناريو العسكري، قد يستثمر ما يجري في الإقليم، إنجاح بشار الأسد لنفسه في الإنتخابات السورية، كذلك في مصر مع نجاح المشير عبد الفتاح السيسي، مروراً بحركة اللواء المنشق خليفة حفتر في ليبيا، كفيلة بتحريك الركود اللبناني. هناك من يخرج ليقول: "هذه الشعوب لا تحكم بغير العسكر"، وعليه، قد تكون التسوية الدولية والإقليمية هي صهوة الوصول إلى بعبدا الحلم من دون إزهاق للدماء، الدافع الأساس هو ملء الفراغ بأي طريقة، تأتي الإشارة من دولة ما، توافق الثانية وهكذا يتمّ التطبيع من دون معارضة تذكر.

بالتأكيد قوى الرابع عشر من آذار تتحمل جزءاً كبيراً من هذه الأزمة المشرّعة أبوابها على إحتمالات عديدة وفق ما يؤكده معظم قيادييها، يأسفون لعدم إدراكهم وإدارتهم للمعركة الإنتخابية، لم يجيدوا لعبة السياسة والأخذ والردّ، قدّم لهم جنبلاط ترشيح هنري حلو (أو من يُشبهه) حبل خلاص، غاب نظرهم عن إبن بيئتهم، تشبثوا حبّاً بمنازلة نتائجها خاسرة سلفاً، داروا حول أنفسهم، وقدموا لحزب الله هديّة جديدة قد تُنقذه من معركته المحرجة ـ الخفية مع النائب ميشال عون.