بتهيّب تلتئم حكومة الرئيس تمام سلام غداً في اول جلسة لمجلس الوزراء، وارثاً صلاحيات رئيس الجمهورية منذ شغور المنصب في 25 ايار. للمرة الثانية منذ اتفاق الطائف، في عهدين متعاقبين، تتولى حكومة قائمة صلاحيات الرئيس بعدما تعذّر انتخاب خلف للرئيس المنقضية ولايته

ثمة حالات ثلاث في ظل الدستور السابق شهدت شغورا في الرئاسة. أولى دامت ستة أيام، وثانية لم تطل اكثر من ساعات قليلة، وثالثة استغرقت 13 شهراً و13 يوماً:
ــــ حينما استقال الرئيس بشارة الخوري من منصبه في 18 ايلول 1952، وأقرن تنحيه بمرسوم تأليف حكومة ثلاثية انتقالية برئاسة قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب نيط بها الإشراف على انتخاب خلف له.

في اليوم السادس على الاستقالة، 23 ايلول، انتخب مجلس النواب الرئيس كميل شمعون، واستمرت حكومة شهاب في تصريف الأعمال حتى استقالتها في 30 ايلول. لم تمثل أمام المجلس، ولم تُعد بياناً وزارياً، ولزم رئيسها في الأيام الثلاثة الأولى مكتبه في وزارة الدفاع. في اليوم الرابع انتقل إلى السرايا الكبيرة لتوقيع معاملات إدارية.
ــــ حينما استقال الرئيس فؤاد شهاب من منصبه في 20 تموز 1960، وعهد الى حكومة الرئيس أحمد الداعوق تولي صلاحياته بعدما اجرى تعديلا أدخل قائد الجيش اللواء عادل شهاب ورئيس الاركان الزعيم يوسف شميط وزيرين للدفاع والداخلية. لم تعش الاستقالة سوى حتى المساء عاد عنها الرئيس على الأثر، فلم يشق مرسوم تعديل الحكومة وتكليفها صلاحياته طريقه الى التنفيذ.
ــــ حينما انتهت ولاية الرئيس أمين الجميل منتصف ليل 22 أيلول 1988 من دون انتخاب خلف له، فأصدر مرسوم تأليف حكومة عسكرية ترأسها قائد الجيش العماد ميشال عون وضمت اعضاء المجلس العسكري، عهد اليها صلاحيات الرئاسة. على نقيض شهاب، مارس عون الصلاحيات كرئيس للجمهورية لا كرئيس حكومة انتقالية مكلفة التحضير لانتخاب الخلف، ومن قصر بعبدا الشاغر لا من وزارة الدفاع. كانت ذروة استخدام صلاحيات رئيس الجمهورية، الرابعة فجر 5 تشرين الثاني 1989 عندما أصدر مرسوم حلّ مجلس النواب في اليوم المقرر لانتخاب رئيس للجمهورية هو النائب رينه معوض.
وقعت الحالات الثلاث هذه تحت احكام المادة 62 من الدستور، قبل تعديلها في ما بعد في تسوية الطائف. قضت المادة 62 القديمة بإناطة «السلطة الإجرائية» وكالة بمجلس الوزراء، وكان رئيس الجمهورية وقتذاك رئيس السلطة الإجرائية يتمتع بأوسع صلاحيات داخله، فأضحت هذه برمتها في عهدة الحكومة الإنتقالية. في اتفاق الطائف أُدخِل تعديل على المادة 62 قضى بان تناط بالحكومة القائمة الصلاحيات المتبقية لرئيس الجمهورية بعدما انتقلت السلطة الإجرائية الى مجلس الوزراء وتقاسمها رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء.
أُدرِجت الحالات الثلاث اعوام 1952 و1960 و1988 في باب شغور رئاسة الجمهورية «لأي علة» الواردة في المادة 62، رغم ان الاولى والثانية متشابهتان كون الرئيس تنحى إرادياً، بينما الثالثة نجمت عن انتهاء ولايته الدستورية من غير تمكن مجلس النواب من انتخاب خلف له في ظل المادة 73. يومذاك، تحت وطأة الحرب عام 1988 ووجود حكومتين وقيادتين للجيش وانقسام سائر المؤسسات وتحوّل الفراغ تفصيلاً ثانوياً، لم يُثر الشغور جدلاً حيال المادتين 73 و74 على غرار ما شهده في ما بعد استحقاق 2007، ومن المرجح ان يشهده لاحقا الاستحقاق الحالي عند أوان انتخاب الرئيس والخوض في تطبيق المادة 74.
طُبقت المادة 74 للمرة الأولى في تاريخ الاستحقاقات الرئاسية عام 1952 بانتخاب شمعون رئيساً. مذ ذاك لم يستقل رئيس للجمهورية ويمضي في استقالته حتى النهاية. استقال شهاب في تموز 1960 وتراجع، واستقال الرئيس الياس سركيس في تموز 1978 وتراجع بدوره قبل أن يُكشف عن المرسوم الذي أعده للحكومة الإنتقالية، ورئيسها الماروني، كان من المتوقع إناطة صلاحيات الرئاسة بها. ما فعله الشيخ بشارة، وأوشك ان يُقدم عليه سركيس، وجازف به في ما بعد الجميّل، وهو ترئيس ماروني الحكومة الإنتقالية لإدارة الشغور، أحجم عنه شهاب الذي أبقى على حكومة الداعوق، السنّي، إلا أنه نقل الحقيبيتين الأمنيتين الى قائد الجيش ورئيس الأركان.
كان الاختبار الأول للمادة 62 معدّلة مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة على اثر انطواء ولاية الرئيس اميل لحود، من دون انتخاب خلف له حتى منتصف ليل 24 تشرين الثاني 2007. مذ ذاك انتقلت الى السلطة الاجرائية التي تمثلها الحكومة صلاحيات رئيس الجمهورية. في الأيام القليلة السابقة للشغور، ناقش السنيورة ووزراؤه المنتمون الى فريق سياسي واحد هو قوى 14 آذار سبل تعاطي حكومتهم مع صلاحيات الرئيس الماروني الآيلة اليهم. غداة الشغور، ذهب السنيورة الى بكركي وطمأن البطريرك الماروني مارنصرالله بطرس صفير الى هدفين: اولهما سعي حكومته الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وثانيهما تعاملها مع صلاحيات الرئيس في أضيق نطاق ممكن.
لم يكتفِ السنيورة، على رأس الدولة، بقيادة المرحلة الفاصلة بين شغور الرئاسة وانتخاب الرئيس الخلف ميشال سليمان بعد ستة أشهر، بل أتاح استيعاب حكومته الظروف الإستثنائية، وعجزها في المقابل عن فرض سلطتها. ورغم تيقنها من أنها تتخذ قرارات غير قابلة للتنفيذ دائماً، وضعت إطار تنظيم عملها كحكومة تحل محل رئيس الجمهورية.
1 ــــ أخطرها الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي سهيل بوجي بأن على وزرائها الـ24 جميعا توقيع مراسيمها وقراراتها عملا بأحكام الدستور بعد انتقال صلاحيات الرئاسة وكالة إلى مجلس الوزراء. كان قد تبقى آنذاك 17 وزيراً فقط بعد استقالة الوزراء الشيعة الخمسة والوزير الأرثوذكسي واستشهاد الوزير بيار الجميّل. راح الوزراء الـ17 جميعاً يوقعون القرارات والمراسيم كلها، وتنشر في الجريدة الرسمية ممهورة. بدا المقصود بذلك ان توقيع الوزير يساوي توقيع رئيس الجمهورية في غياب الأخير وشغور المنصب. في كل منهم قطعة من رئيس الجمهورية.
2 ــــ خلافا لما وصفتها به قوى 8 آذار من أنها أضحت حكومة فاقدة الميثاقية، ورفض رئيس المجلس نبيه بري للسبب نفسه استقبالها ومثولها في البرلمان فأوصد أبوابه، تصرّفت حكومة السنيورة على أنها شرعية ودستورية. تجاهلت استقالة الوزراء الستة وصمّت أذنيها عن كل ما قيل فيها. منذ الاستقالات تلك في 12 تشرين الثاني 2006 ومقاطعة رئيس الجمهورية مذ ذاك جلساتها على نحو نهائي مجرّدا إياها من الميثاقية أيضاً، اعتادت الفراغ في رئاسة الجمهورية. كان لحود قد أضحى على هامش الاحداث بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وفقد تباعاً ثلاثة من وزرائه الأربعة هم الياس المر وشارل رزق وطارق متري بانتقالهم إلى قوى 14 آذار. ثابر الرئيس على ترؤس جلسات مجلس الوزراء والاطلاع على جدول اعمالها كان يضعه السنيورة، ويتفاهم معه كذلك على بنود طارئة من خارج جدول الأعمال. بعد مقاطعته الجلسات، بدأت حكومة السنيورة تتمرّس في ظلّ أمر واقع جديد بالصلاحيات الرئاسية. مع ذلك كان المدير العام لرئاسة الجمهورية العميد سالم بوضاهر يحضر الجلسات ويحمل القرارات والمراسيم الى الرئيس المعتكف. لم يكن الوزراء الشيعة الخمسة بدورهم بعيدين عن عدد وافر من القرارات والمراسيم، ووقعوا بعضها المرتبط مباشرة بتسيير ادارات الدولة.
3 ــــ رفض رئيس المجلس تسلم اي من مشاريع القوانين التي أقرتها حكومة السنيورة ويربو عددها على 60، ورفض الإعتراف بها بسبب صدورها عن حكومة غير ميثاقية. كان على الأمانة العامة لمجلس النواب عند تسلمها المشاريع تلك رفض ترقيمها، ما يشير الى رفض تسلمها، لكن من دون ان يعود بها حاملوها الى السرايا الكبيرة. بذلك اكتفى بأخذ العلم بها ليس إلا.
إلى الآن لا تزال بلا ترقيم، ويرفض رئيس المجلس إحالتها على اللجان أو الهيئة العامة. من بينها مشروع قانون دستوري لتعديل المادة 49 لانتخاب «المرشح التوافقي» قائد الجيش ومشاريع قوانين موازنات 2006 و2007 و2008.