خلافاً لكل ما شاع، فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري يؤكد أن لا توجّه لديه للدعوة الى مؤتمر حوار وطني على غرار المؤتمر الذي انعقد برعايته عام 2006 في مقر مجلس النواب، أو غيره، وإن ما قيل عن هذا الأمر «لا علم لي به».

لقد تميّز بري دوماً بأنه داعية حوار، ولكنه لا يريد تكرار حوار 2006 اذا لم يضمن توصّله الى نتائج ملموسة، علماً انه من القائلين دوماً إن الحوار في زمن الأزمات هو أفضل السبل لمعالجتها، وحتى وإن لم ينتج سريعاً، فإن مجرّد جلوس المتخاصمين الى طاولة الحوار من شأنه إشاعة مناخات إيجابية تخفف من وطأة الأزمة وتوفر المناخات اللازمة للشروع في معالجتها.

ولقد عانى بري في خلال سنوات خلت من تباطؤ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في الدعوة الى حوار التي حرّضه دائماً على توجيهها، وعندما دعا الى طاولة الحوار في الايام الأخيرة من ولايته، كان قد سبق السيف العزل...

ويرى بري ان الحوار لا يكون بين طرفين يجدان فيه ضالتهما، أو مصلحتهما، وإنما يجب ان يتم ضمن المؤسسات وأبرزها مجلس النواب ومجلس الوزراء، وتكون غايته مصلحة لبنان.

إلاّ ان بعض السياسيين يتكهنون بأن الأزمة السياسية اذا تفاقمت وازداد مصير الإستحقاق الرئاسي تعقيداً، فإن بري قد يجد نفسه مضطراً للدعوة عاجلاً أم آجلاً الى مؤتمر حوار وطني، خصوصاً اذا حصل تعطيل فعلي لمجلس النواب تشريعاً ورقابة وانتخاباً بذريعة أن هذا المجلس لا يمكنه التشريع أو مراقبة العمل الحكومي في ظل الشغور في سدة رئاسة الجمهورية.

ولكن يتخوف البعض ان يكون لهذا التعطيل مضاعفاته على الحكومة التي تتعرض للتعطيل، ما قد يجعلها حكومة تصريف أعمال، إذ ان لدى بري رأياً قانونياً في هذا المجال، مفاده ان تعطيل رقابة مجلس النواب على الحكومة يحوّلها حكومة تصريف أعمال بكل ما لكلمة تصريف أعمال من معنى.

ولذلك يؤكد وزراء ونواب أن لبنان دخل في مرحلة خطرة كان المؤشر اليها بدء النواب المسيحيين (العونيون والـ 14 آذاريون) مقاطعة الجلسات النيابية التشريعية في ظل الشغور في سدة رئاسة الجمهورية وتضامن نواب كتلة «المستقبل» معهم رادّين اليهم الجميل لوقوفهم مع الكتلة سابقاً عندما قاطعت جلسات التشريع أيام استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وتصريفها الأعمال في الحدود الضيقة، حسبما ينص الدستور.

وتخوّف هؤلاء من إزدياد خطورة هذه المرحلة في حال طلب فريق 8 آذار من وزرائه مقاطعة جلسات مجلس الوزراء ما يجعل الحكومة «غير ميثاقية» على الأقل، أو الطلب منهم الإستقالة بعد اجتذاب الوزير عبد المطلب الحناوي الى جانبهم، واذا لم ينضم الوزراء العونيون الى الرُكب لإسقاط الحكومة بإستقالة ثلث أعضائها زائداً واحداً كما حصل لحكومة الرئيس سعد الحريري مطلع عام 2011، فإن استقالة الوزراء الشيعة منها أو استقالة وزراء أي طائفة أخرى يجعلها غير ميثاقية.

لكن بعض النواب يستبعدون إستقالة الوزراء العونيين، لأن مقاطعة نواب تكتل «التغيير والإصلاح» لجلسات التشريع النيابية بررها رئيس التكتل النائب ميشال عون بأن وضع الجمهورية «غير ميثاقي» بسبب وجود شغور في سدة رئاسة الجمهورية، وهو الأمر غير الموجود في سدّتي رئاستي مجلس النواب والحكومة.

لكن خروج الوزراء الشيعة من الحكومة قد لا يحصل، ولكنهم قد يقاطعون جلسات مجلس الوزراء فقط، لأنهم يدركون ان استقالة الحكومة التي تتولّى صلاحيات رئاسة الجمهورية حالياً، تعني الدخول في فراغ خطير لا يمكن مجلس النواب هو الآخر أن يملأه، خصوصاً ان ولايته الممدّدة تنتهي في أواخر السنة الجارية، على رغم أنه يستطيع تمديدها مجدداً، علماً أن البعض يعتبر هذا التمديد لم يكن دستورياً يوم إقراره، وسيكون كذلك في حال تكراره. لكن هذا الأمر تدحضه موافقة فريقي 8 و14 آذار وما بينهما على هذا التمديد، على رغم تنكُّر البعض له في اليوم التالي، محاضراً في «عفاف دستوري» كان انتهكه قبل ساعات.