نفَّذ رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون خطةََ حلفائه بتكريس الفراغ. ذاك كان الـ plan A. والآن، عليه أن يغطي خياراتهم في الـplan B. وفي الحالتين، لا يعترف عون بإحباطه، ويصرُّ على أنه «مرفوع الرأس... وجايي»!

نادراً ما ظهر عون مُربَكاً كما في مؤتمره الصحافي الأخير. فهو حاول الإستقواء، كالمعتاد، بفائض القوة الذي تدفَّق من خطاب الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، قبل يوم. لكنه تذكَّر أنّ هذا الحليف نفسه هو الذي يتسبّب اليوم بإحباطه. فعاد وغمز من قناته، وقال: «لا أريد الحُكم على النيات. إسألوه لماذا لم يعلن دعمه ترشيحي». ثم تذكَّر عون أنّ هذا التعبير سلبي عليه، فإستدرك مبرِّراً: كيف يرشحني السيد نصرالله وأنا نفسي لم أعلن ترشُّحي؟

لدى عون غضب مكبوت من حليفه الذي بقي يطلب منه أَن لا يترشّح إِلّا توافقياً أو توفيقياً... حتى طار، هو والإستحقاق! وهذا ما دفعه إلى توجيه الإنتقاد في المؤتمر أيضاً: عند المسيحيين هناك ديموقراطية (المقصود تنوُّعٌ سياسي)، وهذا ليس موجوداً عند الشيعة والسنّة. ثم تَنبَّه وإستدرك متراجعاً. فـ»الجنرال» لا يقوى على إزعاج «حزب الله». وفي الوقت عينه، لم ييأس من إمكان الحصول على رضى «المستقبل»... ولو بعد عمرٍ طويل.

في المؤتمر الصحافي، ما كان عون يهمُّ بالغضب وقَوْلِ الأشياء صراحةً، حتى يتمالك نفسه ويكتم غيظه. وفي النهاية، لاحظ أنّ الرئيس ميشال سليمان لا يحمل السلاح ولا هو مدعوم إيرانياً ولا من حصة السعودية، فهاجمه ولو أنه أصبح في عقر داره، ولم يوفِّر النائب وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع.

وأما الكلام الكبير، الذي كان عون يوَدُّ أن يقوله للذين رفضوه كـ»ضلع ثالث» في المثلث، أي نصرالله والرئيس سعد الحريري، فأرجأه إلى أجَلٍ غير مسمّى، كما فعل في الدوحة عام 2008.

لكنّ الأكثر إثارة كان قول عون: لم تكن 14 آذار تريد الإنتخابات بل التمديد، وربما يتمّ التحضير لتفجير الأمن تحقيقاً لهذه الغاية.

ويعلم عون أنّ 14 آذار لم تلعب ورقة الأمن في أيّ مرة منذ العام 2005، لأنها الأضعف في يدها، وهي لو أرادت أن تلعبها أمام «حزب الله» فستكون خاسرة بالتأكيد. ولو كان لـ14 آذار توازن الحدّ الأدنى في الأمن مع خصومها، لما دفعت كلّ الأثمان وحدها، تحت وطأة التفجيرات والإغتيالات والضغوط الأمنية... وأساساً، لما كان عون يتمتّع بموقعه السياسي، المستند إلى سلاح القوة أو قوة السلاح!

ولذلك، ثمّة مَن يسأل: هل يؤدي عون دوراً جديداً في تغطية عمل أمني يجري تحضيره للفترة المقبلة من النزاع، أي لـ»الخطة ب»، أو «أ ـ بلوس» كما سمّاها.

ففي «الخطة أ»، تمّ تعطيل الإنتخابات وتكريس الفراغ. ولاحقاً ستجرى المحاولات لفرض الخيارات في ملف الرئاسة والإنتخابات النيابية والحكومة المقبلة. والمساومات ستكون إقليمية، لكنّ القوى الداخلية ستتناول ما يُطبخ لها بلا إعتراض، وكالمعتاد.

وهنا تكمن المخاوف الحقيقية من تفجير الأمن. فالتسويات، منذ 2005، ولاسيما بعد 7 أيار 2008، جاءت بعد صدمات أمنية. وفي النماذج الأخيرة، تمّ تفجير الأمن في طرابلس والبقاع، وبلبلة الأمن في بيروت، وإغتيال الوزير السابق محمد شطح... إلى أن وُلدت التسوية على حكومة الرئيس تمام سلام، فهدأ الأمن بسحرِ ساحر!

ولذلك، عندما يتحدث عون عن تفجير الأمن، هناك مَن يتساءل: مِن أين جاء بهذا الكلام، مَن أوحى له به، ولماذا؟ وتالياً، ثمّة مَن يخشى 7 أيار جديداً أو ما يعادله. وقد يكون التفجير الأمني هو الخطوة التالية للفراغ الرئاسي، والسابقة لمحاولة فرض الخيارات.

وفي الحالتين، يلعب عون دوره في التغطية. والأرجح أنّ الحلفاء سيسدِّدون له الأَجْرَ عن مهماته في طرائق كثيرة - وبعضها مدفوع سلفاً - لكنهم لن يمنحوه الجائزة الكبرى، أي حلم الوصول إلى بعبدا. فهذا الثمن يُمنح لذوي الأوراق الفاعلة، لا المحروقة.