لا تأتي التحذيرات المتكررة من مرحلة الفراغ على مستوى الرئاسة الأولى من الخواء، بل هي نتيجة حتمية لجملة من المخاطر التي تحدق بالساحة اللبنانية في ظل الأوضاع غير المستقرة في المنطقة، لا سيما أن القوى الإقليمية والدولية الفاعلة تبدو غير مهتمة بهذا الإستحقاق، بسبب انشغالها بملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة لها، وهي لا ترى ما يمنع إبقاء المسألة اللبنانية في حالة "الستاتيكو" الراهنة بانتظار الإنتهاء من رسم صورة واضحة لمستقبل الشرق الأوسط.
وفي ظل هذا الواقع، تعبّر قيادات بارزة في تيار "المستقبل" عن مخاوفها من الإستمرار في مرحلة الفراغ طويلاً، لا سيما أن البعض في قوى الثامن من آذار يريد إستغلال هذا الأمر من أجل فرض طرح الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي جديد يكون هدفه القضاء على إتفاق الطائف الذي أنهى سنوات الحرب الطويلة من وجهة نظرها، وبالتالي المطلوب تطبيقه أولاً بدل الذهاب إلى تعديله.
وفي حين لا تزال غالبية قوى الرابع عشر من آذار تُصر على رفضها طرح هذا الموضوع، تؤكد مصادرها أن الحل هو في نزول نواب الفريق الآخر إلى المجلس النيابي من أجل إنتخاب رئيس جديد للبلاد بدل فتح الباب واسعاً أمام التدخلات الخارجية، وتشير مصادر في قوى الثامن من آذار إلى أنها لا تمانع مناقشة هذا الأمر بحال كان الحل يكمن في ذلك، لا سيما أن تطبيق إتفاق الطائف عملياً أثبت وجود ثغرات كثيرة من الضروري معالجتها كي لا تقع البلاد كل فترة بأزمة سياسية ودستورية.
وتشدد هذه المصادر، في حديث لـ"النشرة"، على أن الطائف ليس كتاباً مقدساً، وبالتالي من الممكن تعديله في أي لحظة يتفق فيها اللبنانيون على ذلك، وتلفت إلى أن الأسس التي قام عليها هذا الإتفاق لا تُطبّق عملياً على أرض الواقع، وتشير إلى أنه لم يكن إلا ثمرة توازنات إقليمية ودولية لم تعد موجودة حالياً، وبالتالي التعديل قد يكون أمراً طبيعياً في هذه المرحلة.
وعلى الرغم من تأكيدها بأن هناك أشخاص أساسيين في فريقها يفكرون بطرح هذا الموضوع جدياً في الأيام المقبلة، تؤكد المصادر نفسها وجود من لا يزال يرى أن الوقت غير مناسب لهذا الموضوع على الإطلاق، لأنه قد يؤدي إلى إنتقال البلاد إلى مرحلة خطرة من الصراع السياسي، وتوضح أن أنصار هذا الرأي يشجعون على الخروج من الواقع الحالي عبر الحوار المفتوح بين رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري، خصوصاً أن نجاحه من الممكن أن يفتح قنوات التواصل على ملفات أخرى يمكن معالجتها بشكل هادئ.
من جانبها، ترى مصادر نيابية في كتلة "المستقبل"، في حديث لـ"النشرة"، أن الوصول إلى الواقع الحالي كان من ضمن مخطط كبير سعى إليه الفريق الآخر، لا سيما "حزب الله"، على مدى السنوات السابقة، إلا أنه يتجنب طرحه بشكل مباشر في هذه الأيام، وتعتبر أنه المستفيد الأول من عدم إنتخاب رئيس جديد في وقت قريب، من أجل القول إن النظام السياسي لم يعد قادراً على معالجة الأزمات المتكررة، وبالتالي المطلوب تعديلات كبيرة عليه.
ومن وجهة نظر هذه المصادر، سيكون الهدف الأساس لهذا المخطط هو صلاحيات رئيس الحكومة، وهي ترى أن القوى الفاعلة في قوى الثامن من آذار ستكون قادرة على إقناع القوى المسيحية بذلك، من خلال الدعوة إلى تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية، إلا أنها تعبّر عن مخاوفها من أن يكون الهدف من وراء كل ذلك الإنتقال من معادلة المناصفة إلى المثالثة.
وتشدد المصادر نفسها على أن هذا الأمر لا يمكن القبول به بأي شكل من الأشكال، خصوصاً أن تداعياته ستكون خطيرة على الواقع اللبناني، إلا أنها لا ترى أن هناك إمكانية للخروج من هذه الدوامة في وقت قريب بحال إستمر الفريق الآخر على موقفه من الإستحقاق الرئاسي.