منير الربيع

رسم النائب ميشال عون خارطة سياسية مستقبلية، بدأت مع مقاطعة جلسات إنتخاب رئيس البلاد، ووصلت إلى ما بعد الشغور في الموقع الأول في الدولة. أفكار تسابق العصر، مبرّرة بالتوازن الطائفي، والحفاظ على الميثاقية، لا تعير أي اهتمام لشؤون المواطنين، ولا لتسيير أعمال المؤسسات، تتقاذف الكتل النيابية الإتهامات في ما بينها حول من يتحمّل مسؤولية التعطيل، المزايدات المذهبية هي الغاية المنشودة، من عطّل بالأمس يعطّل اليوم، ويجد لتعطيله كل المبررات.   رفض فريق 8 آذار النيابي المشاركة في الجلسة التشريعية المقرّرة للبحث في موضوع سلسلة الرتب والرواتب. الذريعة أن التشريع غير ميثاقي في ظل شغور الموقع المسيحي الأول. تناسى أنه يتحمّل بنفسه مسؤولية تعطيل الإستحقاق الرئاسي عبر تعطيله النصاب وشرطه الوحيد "مرشّحي أو لا أحد"، كذلك فريق 14 آذار لم يشارك لكنه حضر إلى المجلس النيابي لإبلاغ رئيسه أن التشريع في 
واقع كهذا هو غير مستحبّ، لأن إنتخاب الرئيس يتقدّم على كل شيء، رُفعت الجلسة، بدأت التصريحات المتضاربة، استمر تقاذف الإتهامات.   في حقل المجلس الخارجي حسابات شعبوية رنّانة، أما في بيدر القاعة العامّة فكل شيء مختلف، "حين تسقط الميثاقية تسقط الشرعية"، قالها عون ومشى نحو المزيد من التعطيل، إلى حين نضوج الظروف المؤاتية لإنتخاب رئيس جديد، وفي رغبته أن ترسو البورصة عليه، يقول أحد نواب تكتل التغيير والإصلاح لـ"المدن" إنهم غير مسؤولين عما وصلت إليه الأمور، بل الجميع يتحمل مسؤولية الفراغ، "نحن لا نعطّل، في موضوع الإنتخابات لو كان هناك أمل بنجاح احد المرشّحين لكنّا أمّنا النصاب، وكذلك في موضوع السلسلة الأمور غير ناضجة وبحال عقدت الجلسة لن تقرّ، لذلك سنشارك حين تنضج الأمور". لا يرى النائب أي شائبة في هذه الممارسة لوكالته، مضيفاً: "سنشارك بالجلسات الضرورية جداً لتسيير شؤون الدولة، ولكن هذا الواقع غير مقبول".   نواب 14 آذار يلاقون خصومهم في موضوع التشريع. يشير أحدهم لـ"المدن" إلى ضرورة حصر التشريع بالمواضيع الإستثنائية وذلك في إطار الحفاظ على حقوق الناس، لكنهم يختلفون مع زملائهم في الجانب الآخر حول موضوع جلسات الإنتخاب ويرون في مقاطعتهم أنها غير دستورية وهي التي تضرب الميثاق.   على قياس جلسة اليوم ونتائجها، ستسير الجلسات التشريعية، كلام عون كان واضحاً إذ "لا تشريع قبل إنتخاب الرئيس"، ولكن من يتحمّل مسؤولية التعطيل؟   في مؤتمره الصحافي لم يهاجم عون خصومه، حمّل مسؤولية التعطيل للوسطيين قائلاً: "علينا أن نخوض المعركة برؤساء يمثلون أي شيء، وليس بثلاثة مرشحين وننتظر حتى إسقاط اثنين أو اسقاط واحد من هؤلاء الثلاثة لكي نذهب ونخوض المعركة بين إثنين". هي مبادئ جديدة للديموقراطية أراد عون تكريسها، مبادئ يراها سبيله إلى بعبدا، ولا ضير في تفسير "الديموقراطية" كما يحلو له، إن كان "التفسير"، وإن أتى من عالم آخر، قد يخدم المصلحة الشخصية.   لم يستطع عون مهاجمة المستقبل ولا حزب الله، هرب باتجاه مهاجمة الوسطيين، حمّل النائب وليد جنبلاط المسؤولية لغاية في نفسه. هنا تقول مصادر سياسية بارزة لـ"المدن" إن عون حدّد سقف التعاطي مع المرحلة المقبلة، لم يضف جديداً سوى إعلانه بشراسة عن أنه إما يكون الرئيس المقبل أو لا رئيس، هذه المعادلة تقرن واقعيتها بأنه أجاب حين سئل عن إستعداده للذهاب إلى باريس واصطحاب الرئيس سعد الحريري معه إلى لبنان قائلاً: "حين أصبح رئيساً بالتأكيد سأفعل". وتضيف المصادر أن هذا الطرح من نعم الديمقراطية الجديدة، إذ يقطع حين يريد (وان واي تيكت دون رجعة) ويسمح بالرجوع حين يتحقق مطلبه.   من مآثر الحكم، تجدر الإشارة إلى حكمة تجسّد النجاح وتقول: "من أراد النجاح عليه التغلّب على الغضب والإتكال على الغير والمماطلة". هذه الصفات حتى الآن لم تنطبق على عون، الحالم بأن يصبح رئيساً للجمهورية، تاج ترشحه للرئاسة لم يحمه من صداعات هجومه على الجميع وإن بطريقة مبطّنة، ما زال يجمّل ذنبه في مقاطعة الجلسات الإنتخابية والتشريعية، وينظر بصغر لخطاياه المترتبة عن خطوات كهذه، فيما يماطل لتصب ثمار الظروف في صالحه.  

المدن