انها المرة الثالثة  التي تمر بها البلاد في حالة من الفراغ الرئاسي، مع فارق في الزمان والشكل وقاسم مشترك في المضمون، خصوصاً أن السبب يعود في ظاهرة إلى الانقسامات السياسية العامودية الحادة وفي باطنه إلى خلل في النظام والاداء خلفهما اتفاق الطائف، بيد أن الاستحقاق الرئاسي لم يشهد منذ ما بعد الطائف ثباتاً ولا استقراراً، بحيث يمكن الملاحظة أن العهدين الرئاسيين الأولين، أي عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي والأسبق اميل لحود تم التمديد لكل ولاية منهما لمدة ثلاث سنوات فيما انتهت الولايتان الثانية والثالثة، أي ولاية الرئيسين السابقين لحود  وميشال سليمان إلى فراغ في سدة الرئاسة أستعيض عنه في المرتين على التوالي بتحويل صلاحية الرئيس على قلّتها وعدم جدواها إلى الحكومة مجتمعة.
هذا الواقع، وإضافة إلى تأكيده على هشاشة النظام وعدم متانته يرسم أكثر من علامة استفهام  حول المستقبل القريب للوضع العام في البلاد، وذلك في ظل سجالات بدأت تدور في الكواليس وهي ستظهر إلى العلن مع اشتداد الكباش حول الاستحقاق المؤجل  تتمحور حول صلاحية مجلس النواب، وما اذا كان قد تحول إلى هيئة ناخبة أم أنه مستمر بالتشريع، وبالتالي ما اذا كان التضامن الحكومي سيبقى على حاله أم أنه سيتأثر حكماً بالفراغ والكباش، واستطراداً ما اذا كان هناك فريق سياسي ما سيعمد إلى تعطيل العمل الحكومي للضغط على الاستحقاق واستغلال الفراغ لمصالح سياسية استراتيجية وتكتيكية، ليس أولها مطالبة المسيحيين باقرار قانون اللامركزية الادارية انطلاقاً من حاجتهم إلى مثل هذا القانون الذي يعيد اليهم نوعاً من الصلاحيات المفقودة، ولا آخرها اعادة النظر بقانون الانتخابات النيابية مع علمهم المسبق أن هذا الملف سينام في الادراج بانتظار انتخابات الرئيس العتيد، مع ما يعني ذلك من تصاعد الارباكات على خلفية جواز تمديد جديد لمجلس النواب، وتالياً الجهة القادرة على اجراء انتخابات في مواعيدها، اضافة إلى ما يتصل بهذا الملف من اعداد قوانين وترتيبات واجراءات تنفيذية.
بورصة الاطلالات الاعلامية والمؤتمرات الصحافية والمواقف الصادرة عن أكثر من مسؤول ومعني منذ حلول الفراغ، توحي بأن الأمور تسير بخطى ثابتة باتجاه المزيد من التعقيد، خصوصاً أن زوار الرابية يكشفون أن رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون يفكر جدياً بالاعتكاف النيابي والضغط الحكومي بعد أن لمس بما يقبل الشك بأن الفريق الآخر كان يعمل على تعطيل الاستحقاق لأهداف متعلقة بنصائح خارجية، وبأن ترشيح رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع لم يكن سوى مناورة للتعطيل والدفع باتجاه التمديد للرئيس ميشال سليمان، فضلاً عن ادراكه بأن المفاوضات مع رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري كانت لكسب الوقت لا أكثر.
ويعتبر بعض الزوار، أن دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري لجلسة جديدة في التاسع من حزيران المقبل هو من باب جس النبض بعد حلول الفراغ، لاسيما أن شيئاً جديداً لن يطرأ على الوضع العام خلال هذه المدة الفاصلة، بل على العكس فإن المواقف ستزداد تصلباً بانتظار ما يمكن أن تحمله التداعيات الاقليمية المرتقبة من مستجدات قد تؤدي إلى بعض التنازلات لصالح هذا الفريق أو ذاك، بيد أن الاستحقاقات الاقليمية المتلاحقة، بدءاً من الانتخابات المصرية مروراً بالسورية، أصبحت على قاب قوسين أو أدنى ما يعني اعادة تكوين المشهد اللبناني والاقليمي برمته.