أهم ما حصل قبل أربعة عشر عاماً هو عدم اعتراف حزب الله نفسه بالتحرير، على الأرجح بقية اللبنانيين وقسم كبير من العرب كانوا سعداء بالانسحاب الإسرائيلي من الجنوب بخلاف حزب الله الذي صُدم بالقرار حينها، ولم يهناً له ولقيادة محور الممانعة بال حتى نبشوا موضوع مزارع شبعا للقول بأن التحرير لم يحدث. هي حالة فريدة واستثنائية بالتأكيد أن نرى "حركة مقاومة" يتحقق هدفها المعلن، فتبخس النصر حقه. بالطبع لا يفوتنا هنا أن العديد من الأطراف كان مدركاً لعبة المتاجرة بالاحتلال الإسرائيلي للجنوب، ومنها أطراف لبنانية على الضد من حزب الله سُعدت بالانسحاب لأنه يجرد الحزب من حجته في الإبقاء على السلاح لاستخدامه داخلياً؛ الأمر الذي سيحدث في اجتياح بيروت في السابع من أيار 2008. في الواقع، قبل أربعة عشر عاماً ربح لبنان وخسر الحزب، وهذا طبيعي جداً لأن دوره كحركة مقاومة انتهى، ولو كان الحزب وطنياً حقاً لأقر بالنتيجة هذه واعتبرها نصراً له أيضاً، إلا أنه لم يستطع التخلي عن دوره الأساسي كأداة حرب داخلية وإقليمية، وأيضاً كأداة حرب غير وطنية في الدرجة الأولى. على ذلك سيكون مفهوماً لماذا سعى الحزب كي يجعل اللبنانيين يدفعون ثمن قرار الانسحاب الإسرائيلي، فالحزب استأنف معركة وجوده شمالاً، مثلما يستأنف معركة وجوده في سوريا الآن؛ أعني معركة النفوذ الإيراني في المنطقة. الحق أن حزب الله لم يتغير، بينما أتت متغيرات كثيرة في المنطقة لتكشف عن طبيعة دوره. لقد خسر الحزب بمفعول رجعي نتيجة فهم الآخرين لهذا الدور، خسر السمعة الطيبة القديمة أيضاً خارجياً، استعماله المتزايد لمخزونه من القوة في لبنان وسوريا لن يغطي طويلاً على المصير الذي آل إليه، فهو يصارع الموت على نفس القدر الذي يصارع فيه الآخرين.