يقفل بعد ساعات قليلة قصر بعبدا أبوابه أمام الزوار، وتغيب ضجة السياسة عن أروقته ليحل مكانها الفراغ بانتظار تسوية إقليمية داخلية قد ينتظرها اللبنانيون أشهرًا طويلة قبل أن تعيد الحياة الى مفاصله. وإذا كانت الخشية من عدم نضوج التسوية مشروعة منذ البداية، فإنّ المصادر المتابعة تشير إلى أنّ الهدوء الامني الهش الذي تعيشه البلاد وقد تفقده في فترة الفراغ هو نتيجة قرار دولي أكبر من اللاعبين المحليين ومحركيهم الاقليميين خصوصا أنّ أحدًا من السياسيين لم يتمكن من فهم حيثيات وأهداف الهبات الباردة والساخنة التي مرت بها الأسابيع القليلة الماضية إلا بعد فوات الاوان وتخييم الفراغ على المنصب المسيحي الاول ليس فقط في لبنان بل في المشرق العربي برمته.
وترى المصادر في هذا السياق أنّ لأجندة الغرب حسابات مغايرة للمشاريع الاقليمية وهي أشدّ حساسية ودقة في طريقة التعامل معها. فصحيحٌ أنّ لبنان فتح ملفاته دفعة واحدة استنادًا إلى نصائح غربية وعربية لم تكن على القدر الكافي من المسؤولية، ولكن الأصحّ أنّ طبخة التسوية لم تنضج بعد وهي تحتاج الى نار حامية لانضاجها ليس في لبنان انما في اروقة القرار الدولي. بيد أنّ المطلوب، دائمًا بحسب المصادر نفسها، هو فتح الساحة اللبنانية على الاحتمالات كافة باعتبارها منطلقا صالحا للمقايضات، بحيث تصح المعادلة القائمة هي أنّ الحمل في لبنان والولادة في ايران، بحسب ما يؤكد متصلون بواشنطن.
ويكشف هؤلاء بعضا مما استطاعوا فهمه حول أسرار المرحلة، كما يسمّونها، وهي ترتكز إلى إحلال الفراغ في مراكز القرار اللبناني تمهيدًا لإطلاق عملية واسعة النطاق في إطار الحرب على الارهاب يليها ما يطلق عليه الغرب عملية إعادة تركيب النظام اللبناني استنادا الى نتائج الربيع العربي وتداعياته، فالمطلوب راهنا ليس إدارة الازمة ولا حلها، بل إدخال لبنان في وضع أمني دقيق ينتهي إلى إعلان حرب شاملة على الارهاب وهذا لا يمكن أن يتحقق في ظل رئيس قوي. ويشيرون إلى أنّ الوضع في المخيمات الفلسطينية والأخطار الناجمة عنه يتطلب أكثر من حراك عابر أو اتفاق سياسي، انما حالة فريدة تشبه الى حد بعيد الحرب الدائرة في سوريا وان كان بشكل مختلف.
وترى المصادر أنّ العالم باسره لن يرضى باستمرار الوضع على ما هو عليه في لبنان من غموض سياسي وخطر ارهابي متنقل ومكبوت قد ينفجر في اي لحظة بوجه الشركات الكبرى العازمة على الاستثمار في حقول النفط والغاز من البحر الابيض المتوسط، وبالتالي فإنّ المطلوب أميركيًا وروسيًا هو احلال الامن بشكل كامل على طول المناطق المحاذية للشاطئين اللبناني والسوري، فصحيح ان الساحل السوري اصبح شبه آمن ويمكن ان يشكل حاضنة مقبولة للبدء بعمليات التنقيب عن الغاز والنفط  ولكن المعادلة لا تنطبق ابدا على الساحل اللبناني حيث تتهدده الاخطار الامنية من شماله الى جنوبه في ظل انتشار خلايا تكفيرية بدءا من مخيم البداوي الواقع على الساحل وانتهاء بمخيم الرشيدية على الساحل الجنوبي مرورا بمخيم عين الحلوة الذي لا يبعد اكثر من كيلومترات معدودة عن البلوكات المحددة في خرائط الغاز وضمن المياه الخالصة.
انطلاقا من هنا، يرى هؤلاء أنّ الفراغ الرئاسي الذي قد يعقبه تلكؤ حكومي ونيابي يؤسس الى خربطة الوضع الامني في اكثر من مكان كما يؤسس الى تدخل الجيش اللبناني لتنفيذ خطط امنية تخفي حربا على الارهاب والخلايا في الوقت المستقطع الذي قد ينتهي في منتصف تموز المقبل وهو الموعد المحدد لتوقيع الاتفاقية النووية مع ايران، مع ما يعنيه ذلك من تفاصيل متصلة بالاوضاع العامة في لبنان والمنطقة، بحيث يأتي الرئيس الجديد محكوما بضرورة الاستمرار في حملة تطهير الساحل من الشوائب السياسية والبؤر الامنية تمهيدا لاطلاق عمليات استثمار واسعة في حقول الغاز، وهي عمليات يحتاجها الاقتصاد العالمي اكثر مما يحتاجها لبنان بكثير.