غدا يحتل "فخامة الفراغ" قصر بعبدا، والفضل في حلوله يعود الى الجنرال ميشال عون الذي لم يدرك بعد أن بينه وبين رئاسة الجمهورية مسافة لا يمكن ان يجتازها في بضعة اشهر من المناورات السياسية التكتيكية مع "تيار المستقبل"، ولا يكفي ان يغيّر خطابه السياسي والاعلامي مستعيضا عنها بصمت شامل. ان الجنرال عون، وهو قيادي مسيحي أساسي له تمثيله المحترم والمعترف به، لكنه ليس مرشحا وفاقيا ولا توافقيا، ولا هو الجهة الصالحة لتغيير طبيعة النظام اللبناني عبر المثالثة التي اعترف بها جهارا، عندما اختصر الحياة السياسية اللبنانية به وبالسيد حسن نصرالله وبالرئيس سعد الحريري، ولم يحسب ان في الصف المسيحي من يجدر به ان يتطلع الى التواصل معهم. فمن رغب في ان يكون توافقيا عليه ان يبدأ توافقيا في ملّته قبل ان يتجه صوب الآخرين مدعيا تمثيل المسيحيين دون الآخرين.
ان التواصل بين عون والحريري جيد، بل انه ممتاز ويحتاج الى تشجيع من الجميع. ولكن هذا التواصل غير كاف لتغيير التحالفات، او لصنع تحالف جديد، وخصوصا ان "الثلاثي" الذي يتحدث عنه الجنرال ميشال عون يفتقر الى الكثير من العناصر التي من شأنها ان تحول علاقة تصادمية في الجوهر الى ما يتجاوز التكتيك المصلحي الذي ظهر في "حكومة المصلحة الوطنية" برئاسة تمام سلام. ثمة بون شاسع بين عون الهادئ والايجابي تكتيكيا، وعون المرشح الرئاسي الذي يقنع الناس انه تغير بعد أربعة عقود.
يعرف سعد الحريري ان ثمة حدودا للتعامل الايجابي مع عون. ويعرف ان مئات الآلاف من المؤيدين له لا يمكن جرهم بسهولة من مكان الى مكان. ويعرف ان الاقتراب من عون اكثر معناه انتهاء 14 آذار ودفنها. وان "حزب الله" هو الطرف الذي لا يمكن التحالف معه قبل ان تتغير طبيعته، وهي لن تتغير اليوم ولا غدا. ويعرف الحريري ان عون يناور، وانه ركن أساسي من 8 آذار، ويسعى الى الكسب هنا وهناك، عبر استمالة "تيار المستقبل" تكتيكياً. ولكن الحقيقة ان عون هو من صلب 8 آذار استراتيجيا، اما تقربه من "تيار المستقبل" فتكتيك لا يُرد عليه إلا بالتكتيك.
في اليوم الأخير من ولاية الرئيس ميشال سليمان الذي يغادر قصر بعبدا كبيرا، لا يسعنا سوى ان نوجه اليه تحية كبيرة، وخصوصا انه ينهي ولايته بوسام شرف تعلقه على صدره مقاطعة "حزب الله" الذي كان وسيظل مصدر التهديد الأول للكيان والدولة والمواطنين.
ولعل اكثر ما يشرّف سليمان انه ينهي ولايته من دون تمديد كسلفيه، ويخرج من بعبدا الى بيته في عمشيت مكرما مرفوع الرأس، لا لاجئا سفارة تاركا وراءه ناسه!