يبدو المشهد السياسي على مسافة ثلاثة أيام من شغور موقع الرئاسة، صورة طبق الأصل عن ذلك الذي ساد عشية انتهاء ولاية الرئيس السابق أمين الجميل، حيث نقل المبعوث الأميركي حينها رسالة واضحة إلى اللبنانيين مفادها: "مخايل الضاهر أو الفوضى"، مع فارق بسيط هذه المرة وهو استبدال الرسالة الشفوية باخرى تنفيذية، والإيحاء بأن الخيار بين رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون أو الفراغ المستمر لغاية إنجاز التوافق الإيراني السعودي السوري، وهذا التوافق لن ينجز قبل الإنتهاء من الاستحقاقات الرئاسية في كل من مصر وسوريا، هذا في حال لم يطرأ مستجدات تطيح بالاستحقاق وتؤسس إلى تعديلات أساسية على بنية النظام السياسي في ظل الإصرار على الاستمرار في تعطيل الاستحقاقات واقحام البلاد برمتها في موجة من الفراغ والفوضى المنظمة، فترحيل الانتخابات الرئاسية يعني تأجيل الانتخابات النيابية مرة جديدة كما التعيينات الادارية، اضافة إلى ترحيل ملف النفط والغاز إلى فترة طويلة الامد، قد تكون كافية لتعطيل الدورة الاقتصادية وتؤسس إلى ارتفاع غير منظور في الدين العام، مع ما يعنيه ذلك من ارباكات قد لا يحتملها الوضع اللبناني.
هذا الواقع الذي وصلت اليه البلاد ليس وليد ساعته ولم يكن مفاجئاً للغرب، بل محسوب منذ أشهر ومدرج على متن الأجندة الأميركية، خصوصاً بعد أن أوكلت واشنطن الملف الرئاسي لباريس، مع علمها المسبق بأن الأخيرة غير قادرة على انجاز الاستحقاق ولا تملك التأثير المعنوي ولا السياسي على اللاعبين الاقليميين واللبنانيين، فضلاً عن عدم قدرتها على مواكبة التحولات بعد أن دخلت طرفاً في الصراع الاقليمي وفشلها في تحقيق أي من أهدافها المعلنة أو غير المعلنة، وبالتالي افلاسها السياسي والمعنوي بعد سلسلة من الانتكاسات التي بدأت في سوريا ولم تنته في أوكرانيا مروراً بلبنان حيث فشلت في تسويق وتمرير التمديد لرئيس الجمهورية ميشال سليمان ولو لسنة واحدة كما كان مقرراً في كواليس الخارجية الفرنسية.
وفي هذا السياق، رأى دبلوماسي أممي أن تداعيات الفراغ الرئاسي محسوبة النتائج لدى الادارة الأميركية المنشغلة بما هو أكثر أهمية بالنسبة لمصالحها الاستراتيجية، فهي لم تضغط وتضع ثقلها السياسي والمعنوي لتشكيل حكومة المصلحة الوطنية في غضون أقل من أسبوع حفل بشتى انواع الترغيب والترهيب، ولم تضغط باتجاه تنفيذ الخطة الأمنية في طرابلس والبقاع إلا للحد من تداعيات الفراغ أولاً، والافساح في المجال أمام استكمال ما كانت واشنطن قد بدأته لناحية وضع شروط من شأنها أن تضبط الإيقاع على عقارب ساعتها هي، والتي تأخذ بالاعتبار اعادة هيكلة علاقاتها مع ايران وروسيا وفق مستجدات وتحولات فرضت نفسها أمراً واقعاً ملزماً ليس فقط للسعودية ودول الخليج  بل للدول العربية والاسلامية كافة.
وأعرب عن اعتقاده بأن واشنطن ترى فعلاً أن الشخصية، التي يمكن أن تحقق ما تصبو اليه من جمع شمل الإقليات ووضعهم في مواجهة مباشرة مع الاسلام التكفيري، هي العماد عون، ليس لشيء الا لكونه قادراً على محاكاة "حزب الله" وسوريا فضلاً عن كونه "عراب" القرار 1559، وهذا يعني أن استراتيجيته وفكره السياسي يقوم على محاكاة الداخل والخارج بما يضمن أمن وسلامة مشروع الحرب على الإرهاب المفترض أن يصل بتفاصيله إلى المخيمات الفلسطينية ومراكز تجمعات النازحين السوريين، خصوصاً أن هذا الملف مدرج على سلم أولويات الغرب، لما يتضمنه من أخطار مباشرة ستبدأ بالظهور تباعاً مع جلاء غبار المعارك الدائرة في سوريا.