يستعد اللبنانيون لاستقبال مرحلة الفراغ الرئاسي، او الشغور كما حرص الرئيس تمام سلام على تسميته من باب التخفيف من وقع الفراغ وآثاره السلبية. والمناورات لا تتوقف في محاولة حثيثة من اجل اظهار ان اللبنانيين لا يزالون يمسكون ببعض خيوط الاستحقاق الرئاسي. هكذا توحي مواقف تيار المستقبل الذي، وان اكد استمرار دعمه المرشح سمير جعجع للرئاسة، الا انه ترك قنوات عدة مفتوحة ومعلَنة ناحية الرابية. اما القنوات السرية غير المعلنة والفعلية فهي في مكان آخر.

 الرئيس سعد الحريري وسمير جعجع 

لا يتعامل حزب الله مع الاستحقاق الرئاسي باعتباره اختصاصا عونيا، ومتروكا لاجتهادات الجنرال عون رغم الثقة التي يكنها حزب الله له والتي يتكرر تأكيدها كلما حاول البعض وضع اسفين بين الحليفين. لكن الحزب بات شديد التركيز عبر مسؤوليه على تأكيد شرطه شبه الوحيد، ان لم يكن الوحيد الذي لا شريك له، وهو تغطية سلاحه من جنوب لبنان الى شمال سورية وحيث يقتضي “الواجب الجهادي”. لا اجتهاد فهنا “الرسالة المقدسة” واضحة ولا تحتمل التأويل او المسّ.

 

العماد عون و السيد حسن نصر الله

اما “القادة الموارنة” الذين اصابتهم نشوة التسمية من دون ان يتظهر معنى مفيد لهذه التسمية غير تطبيق مقولة “انا او لا احد”، فها هم كمجموعة انطلقت من تحت سقف بكركي وبرعايتها عاجزون عن الفعل الايجابي. فالفراغ الرئاسي الذي نسير اليه بلا وجل لا يثير فيهم غيرة على المنصب الذي طالما اتهموا الآخرين بالاستهانة به، او تهميشه ومصادرته. مصير الاستحقاق يقرره القادة الموارنة وبكركي، كما قال سعد الحريري، وكما المح حزب الله (مع قليل من المبالغة) الى دعم حليفيه ميشال عون او سليمان فرنجية في هذا الاستحقاق. اي بما يعطي الفرصة لاتفاق الموارنة الاربعة على آلية تتيح تأمين النصاب وانتخاب رئيس يقطع الطريق على الفراغ. لكن هيهات ان يتفقوا …

يطمئن الآخرون الى استحالة اتفاقهم، ويعيّرهم الرأي العام المسيحي الذي طالما استنهضوه دفاعا عن موقع المسيحيين المتآكل في الدولة: كيف لكم الا تلتقطوا فرصة ان تكونوا انتم اول من يقرر في هذا الاستحقاق ومن يحسم الخيار فيه ويفرض الآلية التي تنطوي على تأكيد احترام رأس الدولة وشخص الرئيس. ربما يلتفت الموارنة وعلى رأسها بكركي الى انه كلما تراجعت السياسة نحو حفظ النوع الطائفي، كلما انكفأت الدولة والسياسة والمواطنية.

البطريرك الراعي و الرئيس سعد الحريري

عندما ازال القادة الموارنة عن كاهلهم مهمة ايصال الاستحقاق الرئاسي الى برّ الأمان، فهم رموا بها مع نظرائهم في الطوائف اللبنانية الى الخارج. وستوفر هذه الوقائع، فيما لو تحقق الفراغ الرئاسي كما ترجّح الوقائع، شاهدا على عجز المسيحيين او تمنّعهم عن التقاط فرصة التقرير او الحسم في هذا الاستحقاق. وقد توفر هذه الوقائع شروط انقلاب سياسي في الشارع المسيحي او الاستسلام لموازين جديدة في البلد ليس المسيحيون عنصرا فاعلا ومقررا فيها. وليس بعيدا من الواقع القول ان هذا الاستحقاق الذي يواجهه اللبنانيون، والمسيحيون على وجه الخصوص، هو ما سيقرر الى حدّ كبير معادلة السلطة في لبنان وموقع المسيحيين فيها. فطريقة انتخاب الرئيس وآلية اختياره او انتخابه ستلقي ببشائرها او تداعياتها على المسيحيين اولا ولبنان ثانيا.

في الواقع اليوم ثمة فرصة لفتح القنوات بين القادة الموارنة، تمنع صراع الديكة لصالح حماية الاستحقاق من الفراغ والموقع الرئاسي من التلاشي. ليس المؤمل ان يتفق القادة على كل شيء لكن ان يشارك الطامح للرئاسة خصمه في مشروعه… فصراع الديكة على الاستحقاق سيؤول الى صالح غيرهم. ولأن المرحلة ليست مرحلة تحمل طموح نهضة الدولة، فسياسة ادارة الاختلاف وتنظيمه تبقى الفرصة المتاحة من اجل حماية نظام المصالح للقوى المتصارعة في الشارع المسيحي. وما حققه تيار المستقبل وحزب الله في تشكيل الحكومة الاخيرة على هذا الصعيد يمكن للقادة الموارنة ان يستلهموه في مرحلة انتقالية تفرضها وقائع وإرادات داخلية وخارجية على لبنان ونهايتها ليست قريبة.