لم تخرق الحركة داخليا وخارجيا على جبهة الاستحقاق الرئاسي، قبيل إنتهاء المهلة الدستورية في 25 من الجاري، جدار الازمة المفتوح على التعطيل تمهيدا لفراغ في سدة الرئاسة ترتفع حظوظه أكثر على حساب التوصل إلى توافق على مرشح يتوافر النصاب النيابي المطلوب لإنتخابه.

لا اللقاءات اللبنانية في العاصمة الفرنسية ولا الخطوط المفتوحة مع جدة وباريس وواشنطن وطهران حققت تقدما أو غيّرت الوقائع والمعطيات القائمة لجلسة الانتخاب الخامسة غداً.
فحتى الآن، لا تزال بورصة الترشيحات راسية على إثنين: رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع والنائب في "اللقاء الوطني" هنري حلو. وكل ما عدا ذلك لا يزال في إطار التحليل والتأويل، في إنتظار ان يحسم رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون أمره فيعلن ترشحه او عزوفه. علما ان جلسة يوم غد لا تزال محكومة بتطيير النصاب، وليس في المعلومات ما يشير إلى تغيير في هذا التوجه. إذ حتى لو تم التوافق على مرشح، فلن يكون إنتخابه في الجلسة المقبلة.
ولعلّ الخرق الوحيد الذي أثار بلبلة في الاوساط السياسية تمثل في كلام مرشح 14 آذار سمير جعجع عما سمعه من الرئيس سعد الحريري عن طرح عون نفسه مرشحاً توافقياً.
فقد فتح الأمر الباب أمام المخيلة السياسية لتذهب بعيدا في تفسير كلام جعجع والاسباب التي دفعته إلى الكشف عن محادثات يفترض ان تتسم بالسرية. وتفاوتت التفسيرات بين من رأى فيه تنصلا للحريري من حواره المفتوح مع عون وصولا إلى تنصل من جعجع نفسه، ومن وضعه في إطار عملية توزيع الادوار ضمن الفريق الواحد، والذي لا يؤثر في التحالف الآذاري. وذهب بعضهم إلى اعتبار ان جعجع، مدعوماً من رئيس كتلة "المستقبل"، سعى لإحتواء أي ضغط قد يتعرض له الحريري لدفعه الى السير بعون.
أيا تكن التفسيرات، فإن المعطيات الواردة من باريس تؤشر إلى الوقائع الآتية:
- إن الحريري يحرص على تأكيد موقفه الداعم إلى إجراء إنتخابات رئاسية وعدم جر البلاد إلى الفراغ، لكنه يرفض في المقابل، تحميله تبعة تعطيل الانتخابات على خلفية رفضه التعامل مع طرح عون نفسه مرشحاً توافقياً.
- أن يأتي الرفض لعون من جهة مسيحية وازنة، كجعجع، يجعل المشكلة مارونية بإمتياز ومعالجتها مسيحية، أما أن يأتي من زعيم السنة، فيصبح للمشكلة بعد طائفي آخر يُظهر ان السنة يعارضون الرئيس المسيحي "التوافقي"، بحسب وصف عون لنفسه.
- عندما يصبح الرفض مسيحيا وليس سنيا، يرفع الحريري عن نفسه تهمة أنه يفرض على المسيحيين مرشحهم، فيتلافى أي صوت مسيحي يتهم السنة بالتدخل في شأن مسيحي. والواقع أن الحليف الشيعي لعون يجيد الافادة من نقطة الضعف هذه ليتنصل من تسميته وخوض معركة ترشحه في شكل علني.
- ان صدور الكلام عن جعجع وليس عن الحريري، لا يقفل الباب أمام حوار رئيس "المستقبل" مع عون، وخصوصاً ان هذا الحوار اجتاز أشواطا بعيدة في إحداث التقارب بين التيارين واحتواء المعارضة العنيفة التي خاض عون حملاته الانتخابية على أساسها ضد "سعد الدين الحريري" و"الابراء المستحيل"، بحيث بدا منذ بدء التواصل بين الجانبين أن الابراء ممكن. واي إنقطاع لهذا الحوار من شأنه أن يرمي عون مجددا في أحضان "حزب الله".
هذه المعطيات يجب أن تدفع عون إلى التوجه نحو "حزب الله" لحضه على إعلان موقف واضح من ترشحه، بدلا من التصويب على "المستقبل" ليتبناه مرشحا توافقيا. وهنا تتضح نية الحزب حيال السؤال: هل حقا يريد عون رئيساً قبل أن يسأل عون نفسه إذا كان الحريري يريده رئيساً!
وفي رأي مصادر سياسية واكبت لقاءات باريس، أن المناقشات في شأن الاستحقاق لا تزال في مربعها الاول، وحيث انتهت جلسة الانتخاب الاخيرة، انطلاقا من المعطيات المحلية والخارجية الآتية:
- ان الحوار السعودي - الايراني المؤثر في الشأن الداخلي لم يبدأ بعد. ولن يتبلور افقه قبل زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف للمملكة، المرتقبة في اليومين المقبلين.
- ان الحوار الاميركي - الايراني لم ينضج بعد في ظل تعثر مفاوضات النووي.
- ان الاستحقاق الرئاسي لم يخرج بعد من مرحلة تفكيك ما وصفته المصادر بـ"لغم" ترشيح العماد عون، فيما قوى 8 آذار لا تجرؤ بعد على الخروج عن إسم عون الى مرشح آخر.
- والامر ينسحب على قوى 14 آذار التي تستمر في دعم جعجع من دون التخلي عن الحوار مع عون.
- ان الانتقال الى المرحلة الثانية من الاستحقاق بهدف البحث عن رئيس لا تزال بعيدة، وان يكن كل من عون وجعجع باشرا التفاوض على الثمن لقاء تنازلهما لمصلحة المرشح التوافقي. ويُخشى الا ينتهي تفكيك لغم عون قبل انتهاء الولاية الرئاسية. ذلك ان لا صيغة بعد لدى أي فريق لرئاسة، مع الحفاظ على العلاقة مع عون.والعمل جار لدى 14 آذار على تبديد آمال عون دون قطع الحوار معه ودون تأخير الرئاسة.