يطالبنا «إخباريو» الجهاز المخابراتي المشترك السوري اللبناني، من أصحاب جميل السيد وعلي مملوك، كتبة تقارير الوشاية، وناشرو الدسائس، ومحررو بيانات القتل، ومرافقو ميليشيات «حزب الله» في غزوتها السورية.. يطالبنا هؤلاء أن نعتبرهم «زملاء» صحافيين، من أهل مهنتنا. وتترتب على مطالبتهم هذه، أن نتضامن معهم في «محنتهم» القانونية، بعدما استدعتهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان للمثول أمامها والخضوع للمحاكمة بتهمة «عرقلة العدالة» و»تحقير المحكمة». أما الدعوة لهكذا تضامن فهي للدفاع عن الحريات، حسب زعمهم.

ويستند «الإخباريون» في استنجادهم بـ»أهل القلم والرأي» وفي نفيرهم للذود عن الحريات وحصانة الإعلام والإعلاميين، إلى افتراض سياسي بأن المحكمة الدولية على نقيض موجبات الحرية، وما هي إلا مؤامرة كونية ضد «الممانعة»، أو هي محكمة إسرائيلية، حسب وصف حسن نصرالله لها. وبالتالي يظن هؤلاء أن نقنع أنفسنا معهم بأن «المحكمة الدولية» ليست محكمة أصلاً، ولا شرعية لها ولا مسوغ حقوقي لها، أي أن نؤيد أيضاً دعواهم بأن لا وصاية لمجلس الأمن الدولي على السلم العالمي، ولا دخل له في شؤون الإرهاب وعمليات الإغتيال، بل لا مبرر لوجود منظمة «الأمم المتحدة» ذاتها.

كما يفترض هؤلاء أنهم زملاء وصحافيون، تماماً مثل افتراض ميشال سماحة نفسه إعلامياً وصحافياً، وكذلك بثينة شعبان المفوهة والبليغة. فإذا حمل هذا، أو حملت هذه، صفة «الصحافي»، تحصن ضد أي مساءلة على ارتكاب أو جنحة أو جناية. وعلى هذا القياس، ما كان لمحامي الدفاع عن ميشال سماحة أن يغفل في دفاعه عن «حصانة» موكله كصحافي، ولو بتهمة نقل المتفجرات والتخطيط لعمل إرهابي كبير. ووفق هذا القياس يحق لسماحة أن يعتب على «زملائه» إذا تقاعسوا ولم يتضامنوا معه.

انتبه «الإخباريون» إلى صفتهم كصحافيين وكـ»طليعة المدافعين عن الحريات»، بعد سنوات مديدة من عملهم اليومي على ترهيب الصحافيين والكتّاب وتهديدهم بالويل والقصاص و»قطع الأيدي والألسن» و»تحسس الرقاب»، ونشر آراء تبرر إغتيال «زملاء» كجبران تويني وسمير قصير، أو حتى الإعراب عن الحسرة لفشل اغتيال مي شدياق. ولم يتوقفوا يوماً عن التحريض ضد كتبة المقالات وأصحاب الرأي، ودعوا مراراً الكثير من الإعلاميين إلى السكوت وإلا جاز معاقبتهم. وسخّروا مطبوعاتهم وشاشاتهم، لصنوف التخوين والتكفير والتحقير، وعملوا طوعاً على نشر الأخبار الكاذبة والتقارير الملفقة، وحرّضوا الرعاع والمسلحين على حرق بيروت ووسطها التجاري، وعلى حمل السلاح بوجه الدولة والتعدي على الممتلكات، واتهموا الضحايا بأنهم هم من سعى لأن يكونوا ضحايا.

في السادس من أيار، في ذكرى «شهداء الصحافة»، وقعت محطة تلفزيونية «ممانعة» في حرج شديد، إذ بثت تقريراً عن كل شهداء الصحافة اللبنانية الذين اغتيلوا في العقود الأخيرة، وكان مبعث الحرج هذا، أن الذين قاموا بالإغتيالات هم جهة واحدة معروفة: مخابرات الممانعة وعسسها و»أشباحها». 

ما من أحد اعتقل وعذّب وقتل الصحافيين اللبنانيين سوى «الجهاز الأمني المشترك» اللبناني السوري، الذراع المخابراتي لسلطة الوصاية السورية وحلفائها، حيث ينعم «الإخباريون» بدفء حضنها.

هذا، وفي اليوم الذي هتف «الإخباريون» وطلبوا التضامن والإعتصام، كانت صحيفتهم تنشر «وشاية» بالغة الإفتراء بحق الزميلة الصحافية حنين غدار. وفي نشر الوشاية هذه عن سابق تصميم وترصد، إدراك ضمني منهم أنه دعوة لقتلها وهدر دمها. فكأنهم يطلبون من حنين غدار أن تأتي إلى اعتصامهم تضامناً مع «حريتهم»، حرية أن يقتلوها معنوياً وجسدياً، مجازاً وفعلاً. بل وهم أضافوا إلى وشايتهم هذه، «تقريراً» (بالمعنى المخابراتي لا الصحافي) عن الصحافي والروائي الياس خوري، بتهمة التواصل مع العدو الإسرائيلي و»محاورته». أي إلقاء الشبهة عليه بالعمالة أو على الأقل «بإضعاف الشعور القومي» حسب رطانة النظام السوري.

«الإخباريون» الذين أنكروا المحرقة الكيماوية في غوطة دمشق، ومنهم ذاك «الصحافي» الذي رافق مهمة رمي البراميل المتفجرة رافعاً شارة النصر في لحظة انفجاره بالسكان، هؤلاء الذين يتوسلون الحريات، كي يفلتوا من جرائمهم، ويطعنونها كي لا يخالفهم أحد ولا يعترض على سفاهتهم وبذاءتهم وسوقيتهم، هؤلاء وفق اعتقادهم يظنون أن القانون نقيض الحرية، وهذه الأخيرة «هبة حصرية» لا يستحقها إلا نخبة موصوفة بـ»أشرف الناس»، ودونهم شعوب كاملة من ضعاف النفوس والخونة والمأجورين والعملاء.. الذين يستحقون الدوس عليهم، كما رأينا في شوارع سوريا وساحاتها.

ما يغيظ «إخباريي» بشار الأسد وحسن نصرالله، ليس الإستدعاء إلى المحكمة الدولية، فهذا يمكن تدبيره على نحو ما تدبر المتهمون الرئيسيون بعملية اغتيال رفيق الحريري، بل إن غيظهم آتٍ أصلاً من هذا المستجد على بلادنا: مساءلة القتلة، مبدأ عدم الإفلات من القصاص. فلا شيء كرهوه قدر كرههم انتباه الناس لمطلب «العدالة«. فربما يكون تحقيق العدالة، طياً وختاماً لتاريخ استأنسوه على شاكلة مسلسل قتل الصحافيين اللبنانيين من رياض طه وسليم اللوزي إلى سمير قصير وجبران تويني. 

الحريات ضحية «الممانعة» ومخبريها. ولا تضامن إلا مع الضحايا.