أوحى تلاحق المواقف ــ وبعضها لم يخلُ من مفاجآت ــ بأن انتخاب الرئيس قبل نهاية الاسبوع وشيك او يكاد. المثير للجدل تمحور المواقف حول الرئيس ميشال عون كأنه المرشح الوحيد بعد انكفاء الآخرين وتهاوي العراقيل من طريقه: ينتخب رئيساً او تذهب البلاد الى شغور حتمي
في الايام القليلة المتبقية من المهلة الدستورية حتى منتصف ليل 24 ايار، تلقّي التكهنات بثقلها على الجلستين الاخيرتين لمجلس النواب، قبل دخول البلاد في شغور الرئاسة. تكمن التكهنات تلك في الغموض الذي يحوط بها لاسباب ابرزها:
1 ــــ البرودة التي يقارب بها الغرب مأزقاً يتخبط فيه الاستحقاق دونما تدخل مباشر، او الايحاء بمخارج محتملة تتفادى الشغور.
لم يكن ذلك، على الاقل، موقف الغرب والعرب المعنيين في استحقاقي 1988 و2007، وكلاهما شهدا رغم التدخل الخارجي خلو الرئاسة اللبنانية. تولى الاميركيون في الاول وساطة لتسهيل انتخاب الرئيس كان الفريق الاكثر فاعلية في تعطيله حينذاك دمشق. في الاستحقاق الثاني اضطلع الفرنسيون بمهمة مماثلة.
لا ينسى اللبنانيون في ايلول 1988 دور مساعد وزير الخارجية الاميركي السفير ريتشارد مورفي، ولا في تشرين الاول وتشرين الثاني 2007 ثم في ما بعد وساطة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير تارة، ومستشار الرئيس الفرنسي كلود غيان والسفير المتجول جان كلود كوسران طورا، والمرات التي حط هؤلاء فيها في بيروت ودورانهم على الافرقاء. ورغم اخفاق المسعيين طلب الوسيطان الاميركي والفرنسي من بكركي لائحة بأسماء مرشحين محتملين، ومارسا ضغوطا على الاطراف المعنيين قبل ان يسلما بفشل جهودهما ومن ثم شغور الرئاسة على الاثر.
قبل ايام من انقضاء ولاية الرئيس الحالي يبدو الغرب والعرب المعنيون غائبين تماما، كأنهم ينتظرون الفراغ كي يباشروا التحرك، ما خلا بضعة مواقف تأمل في انتخاب الرئيس في المهلة الدستورية.
2 ــــ تشعب تناقض المواقف بين قوى 8 و14 آذار حيال الطريقة التي يقاربان بها انتخابات الرئاسة. نجح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع منذ ترشحه في 4 نيسان وصولا الى الجلسة الرابعة لمجلس النواب الاسبوع الماضي في نقل الارباك الى داخل الفريق الآخر، فانكفأ عن اعلان مرشحه وبدا انه يخوض معركة منع انتخاب جعجع ليس الا بالعمل على تعطيل انتخاب الرئيس الجديد. في المقابل حجب جعجع المرشحين الآخرين في قوى 14 آذار عن صدارة الاستحقاق، وأخرجهم منه نهائياً وباكراً وألغى ادوارهم.
في الايام القليلة المنصرمة انتقلت المشكلة الى داخل قوى 14 آذار، سواء صح ما اشاعه المحيطون بالرئيس ميشال عون بأن الرئيس سعد الحريري يدعم انتخابه، او صح ما يشيعه المحيطون بالحريري بعدم تخليه عن حلفائه المسيحيين. في الساعات الماضية تباينت المعلومات عن دقة تسليم الحريري بانتخاب عون مرشحاً توافقياً، عززه ما جهر به جعجع في باريس عن رفضه انتخابه. بدا مغزى ما قاله يتجاوز رئيس تكتل التغيير والاصلاح وتأييد انتخابه الى ما نسب الى الحريري.
في بعض اوساط تيار المستقبل من الوثيقي الصلة بالحريري، موقف مغاير تداولوه بصوت مخفوض: تأييد عون للرئاسة لا يعني سوى حقيقة واحدة هي اعطاؤه كل شيء من دون الحصول منه على اي شيء.
لم يكن الاحراج الوحيد الذي جبهه الرئيس السابق للحكومة في الايام الاخيرة. ابان جولته على القيادات المارونية، سمع الرئيس امين الجميل من عون يخبره بأنه تلقى وعدا من الحريري بانتخابه وكتلته قبل انقضاء المهلة الدستورية في 25 ايار. لم تنقضِ ساعات، أوفد الجميل نجله النائب سامي الجميل الى باريس للاطلاع على حقيقة ما اخطره به عون.
3 ــــ خلافا لما قاله جعجع قبل اكثر من اسبوع عن استعداده للانسحاب لاحد آخر في قوى 14 آذار يمتلك حظوظاً افضل منه في الوصول الى رئاسة الجمهورية مرشحاً وبرنامجاً، ليس ثمة ما يشير حقاً الى انه في صدد التخلي عن ترشحه. وضع جعجع معادلة جديدة لدوره في الاستحقاق في المرحلة الانتقالية من المهلة الدستورية الى شغور الرئاسة: لن ينسحب مجاناً، ولن يقبل في اي حال ايضاً بانتخاب عون مجاناً. لا يقارب ترشحه على انه العقبة في طريق اجراء الاستحقاق على نحو ما يصوّره الفريق الآخر ــــ واخصه حزب الله ــــ اذ يجد في ترشح جعجع «اعلان حرب» لن يسمح به. عبارة سمعها اكثر من معني في اكثر من مرة.
بيد ان رئيس حزب القوات اللبنانية ينكفىء عن الاستحقاق لمرشح في فريق التحالف، او قريب منه، قادر على اجتذاب 65 صوتاً على الاقل لانتخابه. انحسر غبار عبارة قالها جعجع عن احتمال تخليه لمن يحمل برنامجه الرئاسي. برنامج القوات اللبنانية قبل ان يكون برنامج قوى 14 آذار، تماماً على نحو قرار الرجل الترشح قبل ان يتفاهم مع حلفائه على ضرورته وتوقيته وآلية ادارته، ارغم الحلفاء عليها لاحقاً تباعاً.
الاصح ايضاً، لان البرنامج برنامجه هو، ألا يسلم جعجع بالانسحاب من الاستحقاق لاحد آخر يحمل هذا البرنامج. وهو بذلك لا يتخلى كي يُستبدل بمرشح آخر يحوز الاصوات نفسها التي اقترعت له في جلسة 23 نيسان. الواضح كذلك في قرارة جعجع، على الاقل بالنسبة الى المطلعين على موقفه، ان المرشحين الموارنة الآخرين في قوى 14 آذار سيحوزون العدد نفسه من الاصوات.
بل تكمن خيبته حتى عشية تلك الجلسة، في ضوء وعود قطعها له حلفاؤه، في توقعه الحصول على 58 صوتاً احتسبها بدقة، قيل ان يفاجأ في اليوم التالي بالاصوات الـ48 ليس الا.
4 ــــ يقترب الحريري يوماً تلو آخر من الخروج من دوامة اطراء ترشيح جعجع والاصرار على دعمه بغية الذهاب الى خيار آخر لا يزال ملتبساً، هو البحث عن مرشح سوى حليفه المرشح. لم يشر الرئيس السابق للحكومة مرة، في العلن خصوصا، الى تيقنه من انتخاب جعجع رئيسا، ولم يصدّق تالياً ان مغامرة كهذه قد تتحقق، وان تكن تستحق خوضها. في المقابل بات اكثر اقتناعاً مذ زرع الشكوك والظنون في تفكير حليفه، بأن الخيار البديل يقتضي ان لا ينبثق من المصدر نفسه، وهو فريق حلفائه.
ليست المرة الاولى ايضا يتخلى عن حلفائه بعد سابقة 22 تشرين الثاني 2007، في الساعات الـ48 التي سبقت نهاية ولاية الرئيس اميل لحود، عندما اعلن في اجتماع ضمه والرئيس فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط الاتفاق على «مرشح توافقي» هو قائد الجيش العماد ميشال سليمان. حتى ذلك الوقت، وقبل دخول البلاد في شغور رئاسي، تراجع الحريري عن تأييد المرشح الاول لقوى 14 آذار في ذلك الاستحقاق وهو الراحل نسيب لحود، وعن المرشح الثاني النائب بطرس حرب، وعن المرشح الثالث النائب روبير غانم، قبل ان يخطر الجميل وجعجع في الغداة ــــ ولم يشاركا في ذلك الاجتماع او احيطا علما به ــــ بمبررات الانقلاب على الذات والآخرين.