تتكرر هذه اللازمة في كتب التاريخ عند الحديث عن سقوط المدن بيد الاعداء، حيث يسجل المؤرخ تسجيلاً محايداً ان المنتصر بعد نجاحه في اقتحام الاسوار «أباح المدينة لجنده ثلاثة أيام بلياليها»، فسلب هؤلاء ونهبوا كل ما وجدوه وسبوا النساء والأولاد وقتلوا الرجال.

من النادر ان يعرب المؤرخ عن أسف صريح على استباحة المدن بسبب شيوع هذه الممارسة في زمن لم تكن معروفة فيه أي اخلاقيات للحرب خارج الخطوط العريضة التي يرسمها الأمير لجنوده او ما يتفق عليه مع وجهاء المدينة المُحاصرة الذين يخرجون عادة للتفاوض مع الغازي، إما لثنيه عن دخول البلدة او لتخفيف حجم النوازل التي يعتزم انزالها بهم وبها. لم يستطع بعض المؤرخين تجاهل أهوال ما شهدوه او سمعوا به والاكتفاء بالتدوين البارد، على النحو الذي فعله ابن الاثير الذي اسهب في الحديث عن تأثره حيال ما عاينه من جرائم الغزو المغولي.

نشهد في هذه الايام استباحة قوات النظام السوري ومؤيديه المسلحين لما تبقى من أحياء حمص القديمة بعدما أخلاها مقاتلو المعارضة. لم يترك الدمار الهائل وموجات النهب السابقة الكثير للجنود. رغم ذلك، ظهرت صور عدة لهم وهم يجمعون ما بقي بين الانقاض.

المثير للاهتمام انتشار أنباء عن مشاركة مدنيين من الموالين في نهب المدينة. ورغم وجود تأكيدات على ان التباسات عدة رافقت الصور هذه التي يبدو فيها عدد من السكان يجمعون ما سلم من اثاث منازلهم، إلا ان ثمة من يؤكد أن من بين النهابين مدنيين سمح لهم جيش النظام بمشاركته في جني فوائد انتصاره.

نهب الجيوش النظامية العربية «الحديثة» للمدن التي تحتلها وهي في الغالب الاعم مدن عربية بدورها، ظاهرة معروفة ومشهودة تؤكد على السمات «الاهلية» للحروب التي يشهدها العالم العربي والتي تسقط فيها الاتفاقيات والمعايير الدولية لمصلحة الكراهيات والاحقاد. غني عن البيان ان الجيش الاسرائيلي لا يردعه رادع عن اعمال النهب والسلب وما زالوا أحياء الشهود على رفعه مئات السيارات المدنية واثاث المنازل من بيروت وغيرها من المدن اللبنانية بعد دخوله اليها في 1982. (الجملة الاخيرة اضيفت حتى لا يخرج من يقول ان الجيوش العربية ليست وحيدة في هذا «النشاط»...).

وفي حمص، اضيفت الى ممارسة النهب الرسمي لقوات الجيش العربي السوري، ممارسة «جماهيرية» تمثلت في انخراط اعداد من الموالين في تحميل منازل المدينة القديمة وتعريتها مما احتوت عليه من اثاث ومقتنيات.

والحال ان هذا النوع من الاباحة «الاهلية» ينطوي على دلالات لعلها أكبر خطراً مما فعله الجنود. ذلك أن دخول المدنيين لسرقة منازل مواطنيهم، لا يكشف اخلاق اللصوص عند السارقين فحسب، وهذه اهون الشرور في ما نعاين، بل يقول ان المدنيين هؤلاء قد تماهوا تمام المماهاة في الصراع الدائر وانهم لم يعودوا يرون في اصحاب المنازل المستباحة غير أهداف للنهب ان لم يكن للقتل.

ويسلط السلوك هذا الضوء على سياسة التحريض والتفريق الطائفي التي فرضها نظام بشار الاسد على البلاد وأسفرت عن تعميق الانقسام الفئوي. تقول الصور الآتية من حمص والعشرات قبلها وشهادات لا تحصى عن اعمال انتقام وقتل ان الحدث الذي احدثه النظام بتشكيله «قوات الدفاع الوطني» التي ضمت في الاساس الشبيحة والرعاع، قد نجح في جذب اقسام كبيرة من السوريين الى خنادق الاحتراب الاهلي.

لا يعني ذلك أن الأسد هو مخترع الطائفية، بل انه ببساطة عازف النغمة الاعلى في نشيدها.