هل يكتمل النصاب في الجلسة النيابية المقبلة تحت تأثير رسالة الرئيس ميشال سليمان إلى مجلس النواب وتحميل النواب مسؤولية تطبيق الدستور، وتحت تأثير القاعدة الشعبية لنواب "التيار الوطني الحر" الذين لم يعد في استطاعتهم تحمّل تبعات تعطيل النصاب؟ وهل يكتمل النصاب رفعاً للعتب فقط ولا يتمّ انتخاب رئيس للجمهورية لأن "حزب الله" يريد التوافق على المرشح قبل الجلسة ويعتبر الديموقراطية في لبنان مزيجاً من السياسة وكأنه لم يقرأ الدستور الذي ينصّ على انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري وهو ما حصل في كل انتخاب، وان لبنان هو الدولة التي تمارس النظام الديموقراطي منذ الاستقلال وليس في نيته التخلي عنه لنظام شمولي؟

وهل يغتنم الرئيس نبيه بري فرصة اكتمال النصاب إذا ما اكتمل فيعمل على انتخاب رئيس للجمهورية بعقد جلسات متتالية إلى أن ينال مرشح من المرشحين الأكثرية المطلوبة، فيكون ببراعته قد أخرج الرئيس من بطن الأزمة؟
لقد ذكَّر تصرّف قوى 8 آذار اللامسؤول في كل استحقاق دستوري بالوصاية السورية على لبنان إذ انها كانت تعيّن الرؤساء وتشكّل الحكومات وتضع للانتخابات النيابية قوانين مفصّلة على قياس المرشحين الموالين لها. أما قوى 8 آذار فتمارس على لبنان وصاية التعطيل والفراغ لأنها عاجزة عن القيام بما كانت تقوم به الوصاية السورية، وبات لسلاح التعطيل والفراغ ثمن، وهو إما أن يتمّ تشكيل الحكومات كما تريد، أي أن يكون لها فيها الثلث المعطّل، وإما ان تجرى الانتخابات النيابية على أساس قانون يضمن لها الفوز بالأكثرية النيابية، وأن ينتخب رئيس الجمهورية الذي ترضى به وإلا كان الفراغ...
وما حصل في الانتخابات الرئاسية سابقاً تحاول قوى 8 آذار تكراره اليوم باصرارها، ولو في الظاهر، على أن يكون العماد ميشال عون هو الرئيس وإلا فلا انتخابات، وكادت تنجح في ذلك لو لم يعقد مؤتمر الدوحة ويفرض على الجميع حلولاً وإن مخالفة للدستور. وها إن هذه القوى ترفض طرح اسم مرشح منافس لمرشح قوى 14 آذار لتأخذ اللعبة الديموقراطية مداها، حتى إذا لم يستطع أي من المرشحين لـ8 و14 آذار الفوز بأكثرية الأصوات المطلوبة، يجري الاقتراع عندئذ لمرشحين آخرين يستطيع واحد منهم الفوز بهذه الأكثرية. أما القول بعدم انتخاب رئيس للجمهورية إلا بعد التوافق على اسمه فهذا مناقض للدستور الذي جعل الاقتراع سرياً، ومناقض أيضاً للديموقراطية الحقيقية عندما يشترط "حزب الله" لتأمين النصاب الاتفاق على مرشح مقبول منه.
إن قوى 14 آذار ترى أن الانتخابات الرئاسية هذه المرة ليست انتخابات بين مرشحين إنما بين خطين: خط يدعو إلى اقامة دولة قويّة قادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها ولا يكون سلاح غير سلاحها، وخط آخر لـ8 آذار يدعو إلى بقاء دولتين وجيشين في لبنان يكمل أحدهما الآخر ترجمة لثلاثية "مقدسة" هي: "الجيش والشعب والمقاومة" ما جعل الانتخابات الرئاسية معركة بين هذين الخطين، فإذا انتصر الخط الأول كان في لبنان دولة، وإذا انتصر الخط الآخر كان في لبنان دويلات لم يكن في الامكان التخلص منها إلا بانتخابات نيابية فازت فيها قوى 14 آذار لكن قوى 8 آذار لم تعترف بنتائجها، ولا من خلال تشكيل الحكومات لأن قوى 8 آذار اصرّت على ان يكون لها الثلث المعطّل لقيام الدولة ولاتخاذ القرارات المهمّة.
والسؤال المطروح هو: هل ستقوم دولة في لبنان تكررت محاولات إقامتها منذ عام 2005 ولم تنجح لأن قوى 8 آذار حليفة سوريا ثم حليفة إيران لا تريد ذلك لأن قيام الدولة يلغي دولتها؟
الجواب كان في الماضي عند سوريا التي وجدت الحل في أن تكون هي وصية على لبنان فكانت هي الدولة. فهل تطلب ايران، والجواب بات عندها اليوم، الشيء نفسه ويكون الحل وصاية ايرانية على لبنان وان غير مباشرة عبر قوى 8 آذار وتحديداً عبر "حزب الله"؟
إذا كان هذا هو الحل فلا قيمة عندئذ للانتخابات الرئاسية ومن يفوز فيها، ولا قيمة للانتخابات النيابية التي ستأتي بأكثرية نيابية طيعة لحكم الوصاية الجديدة المقنعة، ولا قيمة أيضاً لشكل الحكومات لأنها ستكون حكومات تديرها هذه الوصاية التي إن هي حققت الأمن فإنها ستقضي على الحرية، وإن هي حققت الاستقرار السياسي فإنها ستقضي على الديموقراطية، وإن هي حققت الاستقرار الاقتصادي فإنها قد تقضي على المبادرات الفردية. فما هو موقف الدول الشقيقة والصديقة للبنان، وأي لبنان تريده للبنانيين كي يكون له الرئيس المناسب؟