• الياس قطار
  ليست زيارة حزب الله الى بكركي “بروتوكولية” على غرار زياراته الى القصر الجمهوري ولا دوريّة بمفاعيل عادية كما جرت العادة. لدى الحزب ما يقوله لسيّد الصرح. لديه الحجّة الكافية ليضرب عصفوريْن بحجر واحد: الزيارة الجدلية والاستحقاق الجدلي. ولدى الراعي رسالة نقلها الى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل شهرين تقريباً قبل أن تختبره الخيبة. خيبة أعلم بها الراعي وفد حزب الله وتمنى عليه أن يعيد نقلها الى نصرالله كما هي شفهياً تحت عنوان: رسالة من سيّد الصرح الى سيّد المقاومة.

منذ شهرين تقريباً حمّل الراعي على ما علمت “صدى البلد” عضو المجلس السياسي في حزب الله غالب أبو زينب رسالةً مباشرةً الى السيّد نصرالله مفادها ضرورة توجّه حزب الله الى الجلسات الانتخابيّة لتأمين النصاب وانتخاب رئيس ضمن المهل الدستورية. وبالفعل حصل الراعي على رسالةٍ شفهيّة من السيّد نصرالله بدت أشبه بتعهّد بتلبية رغبة بكركي في هذا الملفّ وإنجاز الانتخابات في موعدها كي لا يقع البلد في الفراغ. ولكن بعد مقاطعة حزب الله مع حليفه التيار الوطني الحرّ الجلسات الانتخابيّة لتطيير النصاب، سجّل الراعي عتبه عليهما كونهما نكسا بالوعود، وفي الأمس عبّر الراعي عن عتبه صراحةً أمام وفد حزب الله”... ذاك العتب استدعى من السيد ابراهيم أمين السيد توضحياً غير مباشر من الدار المارونية مفاده عدم توجّه حزب الله الى الجلسة إلا للتصويت لمرشح توافقي.

ليست إيجابية ولا سلبية
تشير مصادر كنسيّة مطلعة لـ”صدى البلد” الى أننا “لا يمكن أن نقول إن الزيارة كانت إيجابيّة جداً تمامًا كما لا يمكن القول إنها كانت سلبيّة، فنقاط التلاقي بين حزب الله والصرح كثيرة والحوار أساسيٌّ دومًا في العلاقة. ولكن في ما يتعلق بالملفيَّن اللذين حضر من أجلهما وفد حزب الله الى بكركي أي الملف الرئاسي والزيارة الى القدس يمكن القول: راوح مكانك. لماذا؟ لأن حزب الله نقل موقفه على لسان السيد ابراهيم امين السيد وكان فحواه تمسّك الحزب بعدم النزول الى البرلمان إلا للتصويت لرئيس متفقٍ عليه وبعدم تأييد زيارة سيّدنا الى الأراضي المقدّسة لما لذلك من تداعياتٍ سلبية على لبنان، في المقابل تمسّك الراعي بموقفه من أهمية انتخاب رئيس قبل 25 أيار وتوفير النصاب تلافياً للفراغ كما أصرّ على أن زيارته الى الأراضي المحتلة رعويّة ولا تحمل أيّ بعدٍ سياسيّ. وبالتالي في ظلّ بقاء الطرفيْن على موقفيهما لا يمكن القول إن الزيارة ستغيّر الكثير”.

لا تأثير على علاقتهما
وعن دقّة ما يُشاع عن أن الراعي قد يعدل عن الزيارة أو قد يكتفي باستقبال البابا في الأردن من دون أن يعرّج الى الأراضي المقدسة قالت المصادر: “هذا الأمر غير وارد نهائياً والبطريرك لا يفكّر فيه حتى. زيارتُه محسومة وهو مقتنعٌ بأهدافه ولن يتراجع عنها وكلّ ما يُقال عكس ذلك اصطيادٌ في الماء العكر. فمن واجب الراعي وحقه الطبيعي أن يزور أبناء رعيّته في فلسطين المحتلة”. وهل تفهّم حزب الله هذا الموضوع؟ تجيب المصادر: “لا يبدو ذلك من خلال جواب السيّد ابراهيم”. وهل يمكن أن تؤثّر هذه الزيارة على العلاقة بين حزب الله والراعي؟ تتلقف المصادر: “لا أظنّ ذلك إلا أنه لا بدّ من الانتظار الى ما بعد إنجاز الزيارة لتلمّس ردود الأفعال. علمًا أن العلاقة بين الطرفين جيّدة جداً حتى إن الراعي بعد تعيينه بطريركًا أعاد إنعاشها”.
... تلك الشرارة
الأمور واضحة بين حزب الله وبكركي اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى خصوصًا بعدما نجح الراعي في احتضان “هواجس المقاومة” أقله في حدّها الأدنى بغضّ النظر عن حقيقة موقفه من تدخل حزب الله في سورية. ربّما لم يكن الملف الرئاسي وحده كفيلاً بدفع حزب الله الى اجتماع مماثل أو كانت الزيارة واردةً لكن ليس بالزخم والتوقيت نفسيهما. بدا وكأن هذا اللقاء النوعي يحتاج الى دفعةٍ أقوى، الى ملفّ يُلهِب حساسيّة حزب الله، ليس لأن الأخير لا يهمه الاستحقاق الرئاسي بل لأنه -أقله علناً- شبه مسلّم بالسير في ما يريده الحليف الماروني المعني قبل سواه ميشال عون. لم يتأخر الفاتيكان في إيجاد مثل هذه الشرارة (بالمعنى الإيجابي): الراعي ليس في عداد الوفد الرسمي لكنه سيذهب الى الأراضي المقدّسة. لم يكن هذا التبرير الفاتيكاني كافياً لإسكات الأفواه الداعية الى اعتكافه والتي لم يكن من بينها موقفٌ رسمي واحدٌ صادرٌ عن حزب الله. ولكن بعد دقائق الغضب التي أخرجت الراعي عن صمته في المطار لا بدّ من توضيح الأمور بين الطرفين لعدم ترك أي مجال للمصطادين في الماء العكر بأن يقتلوا العلاقة الجيّدة ويسيروا في جنازتها.

من باب التوضيح...
اليوم تؤمن بكركي أن حزب الله لا يمكنه أن يقطع علاقته بها وليس من مصلحته ذلك، تمامًا كما يعرف الحزب جيداً أن بكركي التي تقف على الحياد والتي تنتهج مع راعيها سياسة الانفتاح على الجميع لا تقطع علاقتها بأي مكوّن لبناني وخصوصًا حزب الله، ولكن زيارة من هذا النوع -وإن لم تقدّم أو تؤخر على مستوى القرارات المرسومة سلفاً- تبقى جوهريّة من باب التوضيح والتودّد لا أكثر.