تختلف ظروف ترشيح النائب ميشال عون عن العامين 1988 و2008، فلِسَنة 2014 حساباتٌ مختلفة، ونهائية هذا الترشيح لم يعُد مشكوكاً بها، ولا يمكن وضعُها بالنسبة إليه إلّا في خانة «يا قاتل يا مقتول».

رضخَ عون على مضض أمام ضياع «فرصة القصر» عام 1988، ولكنّ ذلك الرضوخ كلّف فراغاً دستوريّاً ساهمَ فيه سمير جعجع على مضض، وأنتجَ فيما بعد حربَين كانتا من أقسى ما عاناه المسيحيّون تحديداً، وأسفرَتا عن سَجنِ جعجع ونفيِ عون.

عام 2008 رضخَ عون مجدّداً أمام ضياع فرصة القصر، حصل ذلك في الدوحة، التي ذهب إليها حالماً بأن يكون القطار إلى القصر قد ركب سكّة السابع من أيّار، لكنّ الرياح سارت خلافاً للسفن، وكان ذلك واقعيّاً لأنّ جميع أهل الأرض اجتمعوا في الدوحة، أميركيّين وإيرانيين وسعوديّين وفرنسيّين، جميعهم التقوا عند حصول الاتفاق على سحقِ من يعارضه، الإيرانيون تولّوا الضغط على عون، الذي انصاع في النهاية بعد جلسة صباحية ماراتونية مع أمير قطر قيل في أسرارها الكثير. هكذا يروي كلّ مَن شارك في مؤتمر الدوحة.

شبح الحرب الأهلية فرض رئيس التسوية عام 2008، والفراغ في ذلك العام أنتجَ حربَين، أمّا في سنة 2014 الجارية فيبدو عون سعيداً بازدياد فرَصِه في تعطيل الاستحقاق الرئاسي إذا لم يكن هو سيّد القصر.

الحسابات العونية واضحة ولا تحتمل التأويل. عون مرشّح لا يستطيع حلفاؤه، في ظلّ الوضع الحالي وضرورة التحالفات، أن يجبروه على التراجع، ولا يستطيع خصومه أن ينتخبوا رئيساً من دون اكتمال النصاب. والجنرال مرشّح في ظلّ لا مبالاة دوليّة وعجز عربي، تجلّى كلّه في التأخّر في التحرّك حتى اللحظات الأخيرة من انتهاء مهلة انتخاب رئيس الجمهورية.

يمسك حلفاءَه من اليد التي توجعهم، ويمنع خصومَه من التفاوض على أيّ بديل توافقي، «ويبلّط» في الساحة (التعبير لأحد الأقطاب) مفاوضاً حول صفة توافقية لا يصدّقها أحد، وحاملاً في الوقت نفسه سيفَ العودة إلى التعطيل في الحكومة، هذا التعطيل الذي من المنتظر أن يمارسه، بعد تعذّرِ انتخابه في المهلة الدستورية.

القياس الحالي لفرَص عون الرئاسية لم يختلف عن السابق. كلّ الحملات الإعلامية التي ضخّها على شكل إيجابيات واختراقات في العلاقة مع الرئيس سعد الحريري استنفِدت.

الكلام عن موافقة سعودية على ترشيحه غير صحيح. محاولات الضغط عبر إقناع الأميركيين بتليين موقف السعودية فشلَت، وزيارة السفير الأميركي ديفيد هيل للرياض لم تعطِ نتائج. الحريري مَرِن جدّاً في فتح القنوات معه، لكنّ ذلك لم ولن يذهب أبعد من مجرّد تفاهمات لا علاقة لها بالرئاسة.

الحريري يعرف أنّ المزاج العام داخل طائفته يمقت مجرّد البحث في الموافقة على انتخاب من تجرّأ على استهداف رفيق الحريري في شهادته. من هؤلاء نوّاب من كتلة «المستقبل» وعلى رأسهم الرئيس فؤاد السنيورة، عبّروا علناً عن رفضهم انتخابَ عون.

لا أحد في تيار «المستقبل» يأخذ بجدّية ما يسوّقه بعض المفاوضين مع عون بأنّ الموافقة على انتخابه أقلّ كِلفةً من الفراغ، أو من انتخاب مرشّحين آخرين كقائد الجيش العماد جان قهوجي.

يقف عون عند تقاطع متعدّد الاتّجاهات. يوقف حركة السير بإشارة حمراء من حزب الله. يستعدّ لتنفيذ حركة استعراضية بالنزول إلى المجلس في الجلسة المقبلة، للتشويش على تعطيله الاستحقاق. لا يخشى الفراغ ولكنّه يعرف في المقابل أنّ ما بعد 25 أيار لن يكون لمصلحته، لأنّ التفاوض على التسوية سيبدأ من استبعاده عن التنافس.

ماذا يملك؟ قول الـ»لا» في وجه حلفائه، وإحراجهم وعدم الانسحاب من السباق لمعرفته بأنّ هؤلاء يفضّلون الاستمرار في التنعّم بفوائد التحالف معه، على انتخاب رئيس تسوية. هذا سيكون أحد الأسباب للفراغ الذي سيطول، والذي لا يملك أحد إلى الآن ثمنَ مَلئه.