توقف المراقبون عند المواقف التي أعقبت الجولة الثالثة المخصصة لانتخاب رئيس جديد للبلاد وراوحت بين حدي إضفاء بعض نواب تكتل "التغيير والاصلاح" وتيار "المستقبل" نفحة من التفاؤل الحذر بالنسبة للجلسة المقبلة المقررة في الثاني والعشرين من الجاري والصمت المطبق من قبل سائر الكتل النيابية في مقابل تحذير شامل من الفراغ وما يترتب عليه من تداعيات، في ظلّ علامات استفهام مشروعة حول ما إذا كان هؤلاء يستندون إلى قطبٍ مخفية ومعلومات وأجواء مستقاة من نتائج الاتصالات التي يقودها وزير الخارجية جبران باسيل أم أنّ ما صدر عنهم هو مجرد تمنيات لرفع العتب واستباق المواقف التي ستتهمهم بتعطيل الانتخاب والاسهام بحالة الفراغ في المركز المسيحي الاول وما سيليه من تداعيات على مستوى تعطيل البرلمان تحت ذرائع تفسير القوانين والدستور.
إلا أنّ للمصادر المقرّبة من "التيار الوطني الحر" نظرة مختلفة، حيث تتوقع أن تحمل الأيام القليلة الفاصلة عن الجلسة المقبلة خروقات واسعة النطاق على مستوى الاتصالات والسيناريوهات. بيد أنها تحتّم أن يكتمل نصاب الجلسة بفعل كلمة سر قد يحملها أصحاب الشأن من دون أن يعني ذلك انتخاب العماد ميشال عون حصرا وان كانت حظوظه الاكثر ترجيحا برأي هؤلاء، خصوصًا أنّ أجواء الخارج باتت اكثر ملاءمة لاتمام الاستحقاق وفق اجندة إقليمية من المرجح أن تحمل بعض التغييرات في المواعيد دون المضمون أو المشاريع المستقبلية المتوافق عليها غربيًا، وأبرزها تعزيز موقع الاقليات في المنطقة ومحاولة ربطها لتشكيل سد حصين أمام المد الاصولي والوهابي المتطرف والذي بات يشكل خطرا ديمغرافيا واستراتيجيا على دول المنطقة من دون تحفظ ولا استثناءات، ما يعني أنّ الرئيس يجب أن يكون قريبًا من "حزب الله" ومقبولا من العلويين السوريين ولا يزعج الدروز أو يؤثر في مسار سياساتهم الخارجية وتطلعاتهم المستقبلية التي أصبحت محصورة في الإبقاء على موطئ القدم في لبنان وسوريا وبعض اسرائيل.
واللافت أنّ أجواء الدبلوماسية الغربية تتقاطع بشكل أو بآخر مع هذه النظرية، وتذهب إلى حدّ ادراج ما تشهده المملكة العربية السعودية من متغيرات متسارعة على صعيد إعادة تركيب نظام العرش في خانة التسريع بترتيب الملفات الاقليمية الساخنة وأبرزها السورية واللبنانية والعراقية، أو بالأحرى في خانة الأثمان المترتبة عليها قبل فتح ملف التسوية الايرانية الخليجية على مصراعيه مع التذكير بأنّ العلاقات الايرانية مع بعض دول مجلس التعاون الخليجي في أحسن حالاتها، ما يعني عملا مستمرا على ازالة العقبات من خلال اعطاء ضمانات وتطمينات، او بتعبير آخر فان الضغوط الممارسة على الساحة اللبنانية سيتم التعامل معها انطلاقا من دفع أثمان خارج لبنان وفي العراق تحديدًا تمهيدًا لاطلاق التسوية التي لم تعد تحتاج الى الكثير من السيناريوهات والمخارج.
وفي وقت ألمح فيه نائب جنبلاطي إلى أنّ الوسطيين غير متمسكين بترشيح اي شخصية من ضمن الاسماء المطروحة، وأنهم على استعداد للسير باي مرشح من خارج نادي المرشحين بشرط ان يتوافق عليه فريقا النزاع، كشف مقرب من عين التينة أنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري بدأ اتصالات حثيثة مع اصحاب الرأي النافذ خارج الحدود ومن غير المستبعد ان تصل الى اتفاق يبدأ من بعبدا ليصل الى السراي الحكومي وسائر المفاصل السياسية والامنية في البلاد مع ترجيح بان يأتي الرئيس العتيد من خارج الاسماء المطروحة ومن خارج البلاد ايضا، ملمحا بذلك الى ان مشاورات تجري مع سفير لبنان في الفاتيكان جورج خوري ومن غير المستبعد ان يكون هو فلتة الشوط التي تكلم عنها بري وجنبلاط في وقت سابق.