لم يتفاجأ احد بعدم إقرار سلسلة الرتب والرواتب في الجلسة التي كانت مخصصة لهذه الغاية، فكان معلوما مسبقا بان الموضوع سوف " يُدفش " مرة جديدة الى وقت آخر، خاصة ان الجميع يعرف أيضا بان المتظاهرين خارج المجلس ما كانوا ليشكلوا أي قوة ضاغطة حقيقية ، حتى انه لم يصل الى داخل قاعة مجلس النواب الا رسالة الاعتذار الخطية التي كتبها " قائد يوم الغضب " وحملها الوزير بوصعب الى رئيس مجلس النواب.

فاذا ما كانت كل فصول هذه المسرحية المملة واضحة المعالم والادوار والنهايات ، ما عدا تسلق حزب الله على خشبة تلك المسرحية ومحاولة لعب دور يبدو " اجنبيا " عن السياق السياسي المتبع منه.

لان من المعلوم تاريخيا ان كل الادوار السياسية التي يلعبها حزب الله انما تبنى على ركيزة أساسية واحدة لا شريك لها ويعلن عنها الحزب نفسه بكل وضوح وبما لا يدع مجال لاي نقاش، هذه الركيزة هي ما يسميها هو بمصلحة ما يسمى ب " المقاومة"، وهذا ما يبدو جليا من خلال تسمية كتلته النيابية ب " الوفاء للمقاومة "، فتحتى هذه المظلة فقط يمارس الحزب كل مقارباته للموضوعات المطروحة بغض النظر عن احجامها ، من رئيس اصغر بلدية في ابعد ضيعة، وصولا الى استحقاق رئاسة الجمهورية ، مما يطرح تساؤل بديهي في هذا السياق الا وهو: لماذا يعتبر حزب الله ان إقرار سلسلة الرتب والرواتب تصبّ حتما في مصلحة " المقاومة "؟

مما حدا بالنائب علي عمار الى ترك مقعده في القاعة واصراره (بخلاف رغبة الرئيس بري ) على الخروج والانضمام الى صفوف المتاظهرين بالخارج، وها هو النائب نواف الموسوي يمتطي جواده، ويشهر سيفه ويرجز ارجوزة النزال :" ان حزب الله لن يقبل بحقوق مجتزأة او مبتورة للقطاعات النقابية، ولن يكون جزءا من أي تسوية" ! وامام هذه الحماسة الحزباللهية والتي لا يمكن عبر استقراء مواقفه السابقة ان نستنتج بان خلفها يمكن ان يكون هناك مصلحة للاقتصاد العام، او حتى إيجابية يمكن ان تأخذ بيد المواطن اللبناني لتنشله من مستنقع الوضع الاقتصادي المزري الذي يغرق به، فهذا ما كان ليشكله الإسراع بحسم الملف النفطي مثلا بما يشكل من خشبة خلاص حقيقية من اجل تحسين الوضع الاقتصادي العام حيث لم تتعد مقاربة حزب الله لهذا الملف الحيوي بأكثر من صمت مطبق.

ولعل حلّ اللغز هنا يكمن بالقراءة بين الكلمات التي جاءت في المؤتمر الصحفي الذي عقده النائب علي فياض حيث دافع بشدة هو الاخر عن السلسلة مستندا كما قال : " تحديد دور الدولة بوصفها دولة راعية اجتماعيا واقتصاديا، وليس دولة مرفوعة اليد ومجرد حارس كما يريدها البعض في السلطة" ، وهنا بالتحديد مكمن السر، فان مصلحة " المقاومة " هو في الاستمرار بجعل المواطن اللبناني يعيش على اقتصاد ريعي ضمن اطار دولة ريعية هي الأخرى وممسوكة من مراكز قرار حيث الحزب واحد أساسي فيها ، او من خارج اطار الدولة عبر الأموال القادمة من خارج الحدود والذي يتقن الحزب أيضا فنون تشغيلها عبر خبرة عريقة في تسييلها بالعمل السياسي .

وعلى هذا التقدير فان حزب الله حاضر دوما من اجل دعم أي خطوة يمكن ان تساهم في ازدياد تكبيل الدولة ومؤسساتها عبر اضعافها واضعاف اقتصادها مما يعزز حينئذ بالضرورة حاجة المواطنين الفقراء الذين يعيشون في ظل اقتصاد مهتريء الى السعي الدائم للتقرب من أصحاب الأموال والنفوذ حيث يتربع حزب الله على رأس قائمتهم ، وهذا كله طبعا من اجل هدف "شريف " وهو توسيع اكثر فاكثر لدائرة اشرف الناس من البيئة الحاضنة للمقاومة!

وعليه فحزب الله جاهز دوما ليس فقط لدعم سلسلة الرتب والرواتب هذه , وانما هو جاهز من اجل تحقيق غاياته لدعم أي نوع من أنواع السلاسل.