شكّل اعلان وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل عن توجيه دعوة الى نظيره الايراني محمد جواد ظريف لزيارة الرياض نقلة نوعية في الواقع الاقليمي المحتدم بين البلدين منذ سنوات، وقد تفاقم في المدة الاخيرة الى حد باتت معه المواجهة مباشرة ومعلنة. ولا شك ان السعودية التي انحازت الى الثورة السورية في مقابل انحياز ايران الى النظام شكل نقطة تصادم كبير بين القوتين الاقليميتين، وانعكس في جانب منه صراعا سنيا - شيعيا دمويا من العراق الى لبنان مرورا بسوريا نفسها.
كان المراقبون المطلعون يعرفون ان جولة اتصالات بين مسؤولين سعوديين وايرانيين انطلقت بعيدا عن الاضواء مطلع العام في سلطنة عُمان، وسبقتها جولة اتصالات اميركية - ايرانية في المكان نفسه. وكان من نتائج جولة الاتصالات المزدوجة والمستقلة الواحدة عن الاخرى، ان انتقل لبنان بعد ايام من اغتيال الوزير محمد شطح بقرار من جناح ايراني في السلطة وبتنفيذ محلي في لبنان، الى البحث في تشكيل حكومة جديدة بعدما مرت عشرة اشهر على تسمية تمام سلام رئيسا مكلفا بتشكيل الحكومة. وسارت مسألة تشكيل الحكومة اللبنانية بسلاسة غير اعتيادية، ولم تحل التعقيدات التي واجهتها الحكومة لدى التشكيل او صياغة البيان الوزاري دون ولادتها متزامنة مع تغيير في معطى المواجهة الاقليمية، فتراجعت العمليات في لبنان، لتدخل البلاد حالة استقرار نسبي عزلها عن الواقع السوري المتفجر، حيث المواجهة لا تزال قائمة بين القوتين الاقليميتين.
يفيد ما تقدم ان لبنان شكل نقطة تقاطع في المصالح الاقليمية والدولية على حماية استقراره في مرحلة المفاوضات الكبرى في المنطقة. وبالتالي امكن ايجاد شيء من التهدئة المحلية التي انخرطت فيها جميع القوى المتعبة من سنوات مواجهة طويلة منذ العام ٢٠٠٥ تفاقمت بعد انقلاب كانون الثاني ٢٠١١. إذا انطلق قطار حوار سعودي - ايراني، فلا يمكن إلا ان يكون مفيدا للبنان. فالطرفان موجودان بقوة في بلاد الارز، وتأثيرهما مباشر في اللعبة السياسية والتوازنات الدقيقة فيه. وهذا بالضبط ما يمكن ان يسري على الاستحقاق الرئاسي حيث تتجه الامور نحو اختيار رئيس توافقي فعلي يشكل نقطة تقاطع بين الجميع، ويكون رئيساً مواكباً لقرار التهدئة في لبنان، وللحوار الاقليمي الذي يسير جنبا الى جنب مع المفاوضات الدولية - الايرانية حول البرنامج النووي.
جميع الدلائل تشير الى مرحلة تهدئة حتى لو دخل لبنان فراغاً على مستوى الرئاسة.
لكن المهم اليوم، ان الاستحقاق الرئاسي لم يصل الى افق مسدود، ولا يمكن أي طرف ان يعطل الاستحقاق الذي سيوصل رئيس توافقي حقيقي بالافعال قبل الاقوال.
والخلاصة ان لبنان يفيد من الحوار الاقليمي الجديد، وعلى اللبنانيين ان يستغلوا الفرصة الراهنة.