"ليبانون ديبايت" - راكيل العُتيّق:

شدت نائب رئيس مجلس ادارة قناة "الجديد" كرمى خياط الرحال متوجهة إلى لاهاي للمثول امام المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بعد الاتهامات التي وجهتها المحكمة لكل من "الجديد" وصحيفة "الأخبار" لعرقلة سير عمل المحكمة الدولية ونشر اسماء الشهود، خارقين بذلك نظام المحكمة والسرية التي تتبعها. وفي الكلمة التي القتها الخياط خلال الجلسة قالت "جئت الى المحكمة كي لا اكون ممراً لسلب حرية الصحافة تحت شعار العدالة". 

اما رئيس تحرير صحيفة "الاخبار" ابراهيم الأمين امتنع عن المثول امام المحكمة وكانت ادارة "الاخبار" اعلنت انها وجّهت في 8 ايار الجاري رسالة الى القاضي الناظر في قضايا التحقير امام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، السيد نيكولا ليتييري، تطلب فيها تأجيل موعد جلسة المثول الاولى، الى موعد آخر، ريثما يتم ترتيب الاجراءات الكفيلة بتأمين كامل حقوق الدفاع. 

التهم الموجهة ضد الوسيلتين الاعلاميتين واحدة،كما ان الرد كان واحداً برفض التهم والاستمرار بانتقاد المحكمة وعملها، إلا ان الخياط والأمين اعتمدا استراتيجيتين مختلفتين لمواجهة هذه التهم فمثلت الأولى امام المحكمة لأنها وبحسب قولها "غير مذنبة"، اما الأمين فاعتمد الهجوم المضاد كتابة عبر مقالاته مؤكداً ان "الأخبار لا تمثل". 

الحريات الاعلامية المحمية والمكفولة من الدستور والقوانين امر مسلّم به وهي حق لكل اعلامي وصحافي حرّ، اما توسّع رقعة الحرية وتعديها الحدود الأخلاقية والمهنية ستوصل إلى "الفلتان"، وتصبح عرضة للملاحقة القانونية والقضائية. هل التزمت مؤسستا "الأخبار" و"الجديد" بحدود الحرية الاعلامية ام خرقتها؟ سؤال برسم القضاء والمحاكم المختصة داخليا ودولياً. 

وفي الوقت الذي تخوض فيه هاتين الوسيلتين الاعلاميتين معركة الدفاع عن الحرية الاعلامية طالبين من الاعلاميين والوسائل الاعلامية كافة التضامن معهما، شنّت صحيفة "الاخبار" ووسائل إعلامية اخرى حملة مباشرة على حنين غدّار مديرة موقع "ناو ليبانون" باللغة الإنكليزية، لمشاركتها في مؤتمر نظّمه "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" وكان قد شارك فيه "ايهود باراك". 

انتقدت غدّار في كلمتها سياسة إيران عبر "حزب الله" في المنطقة وفي سوريا ولبنان تحديداً، وفتحت بذلك على نفسها ابواب الاتّهامات بالعمالة لاسرائيل وبغدر المقاومة التي انهالت عليها من اهل بيتها "العائلي"، مروراً بأهل بيتها "الديني" المفترض وصولا لأهل بيتها "السياسي الممانع" المفروض على كل شيعي .

نشر أحد المواقع الالكترونية بياناً لآل غدار يتبرأون من خلاله منها ومن تصريحاتها وتوجهاتها واشاروا الى ان "آل غدار الذين فدوا المقاومة بدمائهم وقدموا الشهداء بمواجهة العدو الصهيوني، ومستعدون لكل التضحيات من اجل صونها والدفاع عنها، يعلنون انهم يدينون هذه الاصوات المأجورة والعميلة ويتنصلون من نسبها نتيجة الاساءات التي الحقتها بنا وبشعبنا الابي ومقاومته المجيدة وداعميها". اما صحيفة "الأخبار" فخلصت إلى الاتي: "غدّار تفوّقت على إيهود باراك في نشر الأفكار المغلوطة عن عدوّه. عدوّهما المشترك". 

مجددا الاستنسابية هي العنوان العريض لمواقف ومبادئ "الممانعين" في لبنان وحلفائهم، فكما المقاومة نسبية بالنسبة لهم بين "عدو" و"شقيق"، وكما صفة المقاوم انتقائية بالنسبة لهم بين مواطن وآخر، وكما استحقاق لقب "شهيد" يختلف بحسب معاييرهم، كذلك الدفاع عن الحرية الاعلامية هو استنسابي وانتقائي. 

فإن كنت حامل لراية "حزب الله" في لبنان يمكنك استخدام لغة التشهير والقدح والذم وتبقى تصريحاتك ضمن الحرية الاعلامية إن ذهبت وجاهدت في سوريا او اي بلد آخر وفق خط الممانعة فأنت ملتزم بعدم خرق الدستور، إن كنت مسيحيا، سنيا، درزيا او ملحداً يمكنك اعتناق "المذهب الشيعي السياسي" فهذه حرية شخصية .

ولكن إن كنت تعارض سياستهم، حتى ولو اعتمدت لغة النقد العلمية والمهنية، حتى ولو لم تعتمد وسائل القدح والذم فأنت تنتهك الحريات تخرق الدستور وتمسّ بالمقدسات. اما إن كنت شيعياً معارضاً لنهج "حزب الله " فالويل والويل لك يا مرتكب افظع الجرائم، من النائب عقاب صقر الى الاعلامي نديم قطيش "للشهيد" هاشم سلمان ولكل من تجرأ على الشذوذ والخروج عن الطريق المعد والمرسوم له مسبقاً حتى قبل ولادته. وفي ردّ لأحد الممانعين على الاعلامية حنين غدار عبر صفحته على الفايسبوك قال: "هي تفاخر انها شيعية من جنوب لبنان، لو كانت العمالة تطبع على الهوية لأصريت انا وكثيرون ان نلصق لك مذهب "عميلة" وليس مذهب "شيعي"، فكثرت التعليقات المشابهة لهذا الرد وإن تفاوتت بالمستوى إلا انها تصب كلها في خانة الشتم. 

لم نشتم "المقاومة" او"المقاومين" في هذا المقال، إنما انتقدنا الاستنسابية المعتمدة و"الكيل بمكيالين"، ونعبر ونجاهر علناً وبالصوت العالي أننا ننتهج ثقافة الحرية الحقيقية قولاً وتطبيقاً لذلك نعرب عن تضامننا مع الاعلامية غدار ومع كل اعلامي حرّ اياً يكن انتماؤه الديني او السياسي او الوطني. 

ومع ذلك التهمة معلّبة جاهزة وحاضرة، "حفظنا الدرس" جيداً، طالما اننا عبرنا عن رأينا المعارض فنحن صهيونيون، امبرياليون، مناصرون للشيطان الأكبر. ذاك الشيطان الأكبر نفسه الذي تتفاوض معه إيران، وذاك العدو نفسه الذي بنت وتبني معه معظم الدول العربية علاقات علنية او سرية او ملتزمة بهدنة معه وبعدم مهاجمته، من قطر، نفسها "شكراً قطر"، ونفسها التي حرّرت مخطوفي اعزاز، مروراً بمصر "اللا اخوان"، وصولاً الى النظام الذي استخدم الأسلحة الكيميائية في وجه شعبه وقتل من الأطفال اكثر بكثير مما قتل من "عسكر" العدو. اما زيارة بطريرك انطاكيا وسائر المشرق الدينية الرعوية للأراضي المقدسة فهي تطبيع! ولكن كيف ذلك ودولة اسرائيل غير موجودة وممنوع الاعتراف بها حسب "الممانعين"؟، ونحن نوافق على ذلك ونصرّ ونؤكد انها اراضي فلسطين المحتلة والقدس الحبيبة، وبالتالي البطريرك مار بشارة بطرس الراعي هو الممانع الأكبر إذ كسر الأمر الواقع وخرق الاحتلال والاحتكار الاسرائيلي للأراضي المقدسة .

وردنا الاستباقي على "العمالة " الاستنسابية هو رد ابراهيم الأمين نفسه فنقتبس من مقاله ونقول: "هل يعتقد هؤلاء بأننا سنترك لهم البلاد يبثون فيها سمومهم، ويدفعون بها الى خراب تلو الخراب؟ هذا بالتأكيد ما لن يحصلوا عليه، لا منّا، ولا من بقيتنا، إن هم نالوا منا". 

ولكن لن نقول له او لغيره "تحسس رأسك"، فهذه اللغة العنفية لم ولن نستخدمها يوما، ولا نحارب او نواجه إلا "بأسلحتنا الفتاكة"، بالكلمة الحرّة "المقاومة والممانعة".