يغادر وفد «الائتلاف الوطني السوري» المعارض واشنطن اليوم بعد زيارةٍ دامت أسبوعاً، حقّق خلالها أهدافاً سياسية وغير سياسية عدّة. ولعلَّ اللقاء البروتوكولي الأهمّ في الزيارة كان لقاء رئيس الوفد أحمد الجربا بالرئيس الأميركي باراك أوباما خلال اجتماعه مع مستشارته لشؤون الأمن القومي سوزان رايس.
لا شكّ في أنّ إعلان البيت الأبيض المسبق عن اللقاء، الذي لم يرقَ إلى صفة الاجتماع الرسمي والكامل، هو محاولة لإعطاء الزيارة «التاريخية» زخماً جدّياً عمّا تمَّ إنجازه فيها بمقاييس اللحظة الراهنة، خصوصاً أنّ الجربا لخَّص ما جرى بأنّه محاولة لإقامة علاقة استراتيجية وشراكة سياسية كاملة مع واشنطن، تحت عنوان «الخط الثالث».

لقد نجَح وفد «الائتلاف» في تحويل ما اعتُبر هزائم عسكرية انتصاراً سياسياً، في وقت يتمّ البحث عن مسار جديد في الأزمة السورية، ينقل المخاوف المشتركة ممّا يحصل راهناً، إلى مسار سياسي عنوانه الأبرز بناء «حالة» سياسية سوريّة تقطع مع المرحلة الماضية، حين كان نظام حزب «البعث» وعائلة الأسد يختصران أوراق العمل السياسي لأكثر من 40 عاماً.

وينقل معارضون سوريّون ناشطون في واشنطن ما دار في لقاءٍ ضمَّ أكثر من 100 شخصية سوريّة مع أركان وفد الائتلاف، أنّ ما بحَثه الوفد مع أجهزة الإدارة الأميركية كان مشجّعاً جدّاً، بعدما نجح، ليس في لقاءِ الوزارات التنفيذية كالخارجية والدفاع فحسب، بل قيادات مجلسَي الشيوخ والنوّاب كذلك.

وبعيداً من المطالعة التاريخية للنزاع الدائر في سوريا، يقول هؤلاء «إنّ وفد «الائتلاف» كان واقعياً لجهة تقدير أنّ الأزمة ستطول سنوات، بعدما نجحت الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية في تحويل الحرب مواجهة مرتبطة موضوعيّاً بملفات المنطقة، القريبة منها والبعيدة، على حدّ سواء».

ويؤكّد هؤلاء «أنّ الوفد ناقشَ ما سُمِّي «اتفاق حمص» مع المسؤولين الأميركيّين، وسمعَ منهم ما مفادُه أنّ ما حصل قد أنهى عملياً أيّ دور سياسيّ لنظام الرئيس بشّار الأسد، راهناً ومستقبلاً، مع تولّي ضبّاط إيرانيّين وروس قيادة المفاوضات مباشرةً، من دون مشاركة ولو شكلية لممثّلي النظام. فهَمُّ طهران وموسكو كان ضمان الإفراج عن ضبّاط إيرانيين وروس معتقلين لدى المعارضة، وقد أُطلِق سراحهم في تلك الصفقة».

ويكشف المعارضون السوريّون «أنّ المسؤولين الأميركيّين توقّفوا مَليّاً أمام دور تنظيم «القاعدة» ممثّلاً بـ«داعش»و»جبهة النصرة». غير أنّ وفد «الائتلاف» كان واضحاً وصارماً في التمييز بين الفصيلين. تمييزٌ لا تستطيع الإدارة الأميركية تجاوزه بسبب الفروق الجوهرية في أصول التنظيمين وبُنيتَيهما.

فالأوّل عبارة عن تنظيم «مفبرَك»، معظم عناصره وقياداته الميدانية من الأجانب، فيما الثاني من «أبناء البلد»، والمشكلة معه قابلة للحلّ والتفاوض، خصوصاً أنّ التجارب الأميركية في التعاطي مع تنظيماتٍ من هذا النوع ليست جديدة.

فإذا كان الأميركيون يقيمون الصِلات ويُجرون اتّصالات، سواءٌ مباشرة أو بالواسطة مع «حزب الله» اللبناني و«حركة طالبان»، فما الذي يمنع التفاوض مع «جبهة النصرة» مستقبلاً، خصوصاً أنّها لا توجّه سلاحَها حتى الساعة إلّا ضدّ النظام؟».

ويضيف المعارضون :«طالما إنّ البحث جارٍ عن شراكة سياسية استراتيجية مع واشنطن، فيمكن إقامة توازن سياسيّ وميدانيّ لمصلحة قوى المعارضة المعتدلة، في الوقت الذي يتولّى خبراء وعسكريّون أميركيون بأنفسهم تدريب وحدات مقاتلة منها، بما أنّ هاجس الإدارة الإميركية هو عدم سيطرة تلك الجهات على سوريا في المستقبل». ويدرك هؤلاء أنّ الحديث يدور عن سنوات وليس عن أشهر إذا كان الهدف هو المستقبل.

ولدى انتقال البحث إلى سُبل تطبيق هذه الإستراتيجية الجديدة، أكّد وفد «الائتلاف» استعدادَه لتوفير كلّ الشروط الموضوعية لضمان تغيير توازن القوى، أوّلاً في صفوف التشكيلات المعارضة، وصولاً إلى تغيير التوازن مع قوى النظام وداعميه.

وفي هذا السياق، طرح الوفد أن تختار الولايات المتحدة الوسيلة العملية واللوجستية والتكنولوجية التي تناسبها لضمان عدم تسرّب أيّ معونات عسكرية نوعية إلى الأيدي الخطأ.

وتؤكّد أوساط المعارضة السوريّة «أنّ واشنطن لا تعير نتائج الانتخابات الرئاسية في سوريا أيّ أهمّية، طالما إنّ العملية السياسية المُعبّر عنها في مسار جنيف قد سقطت عمليّاً. فالمبعوث الدولي والعربي الخاص إلى سوريا الاخضر الابراهيمي استقال من مهمّته، ما يعني فتحَ البحث عن مسار سياسي آخر، طالما إنّ أوراق جنيف تساقطت، وتساقطت معها الشراكة الأميركية ـ الروسية السابقة في هذا المجال».

وفي حين لم تشَأ تلك الأوساط كشفَ ما إذا كان وفد «الإئتلاف» قد حصل على وعد قاطع برفع الحظر عن تسلّم الوحدات العسكرية المعارضة أسلحة مضادّة للطائرات، خصوصاً تلك التي تتلقّى التدريبات على أيدٍ أميركية، كشفَت مصادر أميركية مُطّلعة «أنّ تلك الوحدات اجتازت «امتحان» تسلّمِها صواريخ «تاو» المضادّة للدروع بنجاح، ما قد يؤهّلها لتلقّي أسلحة مضادّة للطائرات».

ويعتقد البعض أنّ مواقع التواصل الاجتماعي للمعارضة السورية ستبدأ في غضون شهر، بَثّ صور تلك الصواريخ، بعدما انحسرَت مشاهد قواذف الـ«آر بي جي» التي يحملها مقاتلوها لمصلحة صواريخ «تاو».

وتختم أوساط المعارضة السورية بالقول: «أمام غزارة التدخّل الإيراني والروسي في دعم النظام، لا يمكن لواشنطن والغرب الإبقاء على وتيرة دعم المعارضة السوريّة على ما هي عليه». ويتوقّع هؤلاء «صيفاً حارّاً، فيما الاستعدادات لفتح «جبهة القلمون» مجدّداً، قائمة على قدَمٍ وساق مثلاً!».

جاد يوسف :الجمهورية