أعاد رئيس المجلس نبيه بري تأكيد ما ينتظر الجلسة الرابعة غداً لانتخاب الرئيس. لا اكتمال للنصاب القانوني لأن لا جديد طرأ منذ الجلسة الثالثة الاربعاء الفائت. يقول: «ما هو أمامي لا يزال اياه. هناك مرشحان معلنان معروفان، احدهما (سمير جعجع) قال قبل ايام انه مستعد للانسحاب لآخر في فريقه. المرشح الثاني مستمر وهو النائب هنري حلو. ليكن معلوما أن وليد جنبلاط لن يسحب مرشحه، وهو متمسك به حتى اشعار آخر، ولن يعطي أصواته لأحد سواه. حتى الآن انا لا اتدخل في الاسماء. اذا ذهبنا يوما ما الى وضع مختلف يوجب انتخاب رئيس توافقي قد اتدخل لدى وليد جنبلاط».

تكفي هذه المعطيات كي يتوقع رئيس المجلس عدم التئام الجلسة الرابعة لانتخاب الرئيس، ويلاحظ ان اكتمال النصاب هو بين يدي حزب الله والرئيس ميشال عون. الا انه يؤكد، في المقابل، ان كتلته النيابية ستحضر الجلسات التي يدعو اليها. لم يُصغِ اليه حلفاؤه عندما رغب في استمرار الجلسة الاولى في 23 نيسان، والانتقال الى دورة ثانية من الاقتراع، متيقّناً من أن أحداً من المرشحين المعلنين لن يحوز النصف +1. ويضيف: «اليوم ايضاً لا احد من المرشحين المعلنين قادرا على الحصول على النصف +1 اذا التأم الثلثان».
يتفادى بري التعليق على ما شاع في الايام الاخيرة عن جهود تضمر تمديد ولاية رئيس الجمهورية من خلال استمرار الرئيس ميشال سليمان في منصبه حتى انتخاب رئيس جديد. بل يرمي الاقتراح في صلبه الى تشريع اجراء دستوري دائم يتجاوز تمديد الولاية الذي غالباً ما وُصف بأنه تدبير استثنائي ليس إلا. ويكتفي رئيس المجلس بالقول ان طرح الموضوع «لم يحتج سوى الى يومين او ثلاثة فقط من التداول ثم طُوي». وعندما يُسأل هل اثار البطريرك الماروني ماربشارة بطرس الراعي الامر معه، يرد: «اسألوا البطريرك». ثم يعقب ان الاقتراح يتطلب تعديلاً دستورياً.


لا يوافق رئيس المجلس المنادين بهذا الاقتراح في معرض مقاربتهم اياه بالقياس، والقول إن ما ينطبق على رئيس المجلس ورئيس الحكومة ينبغي مطابقته أيضاً على رئيس الجمهورية بحيث يستمر في منصبه بعد انقضاء ولايته الى أن ينتخب خلف له. يقول: «مجلس النواب ورئيسه لا يستمران عند انتهاء الولاية، ولا يصرّفان الأعمال. عندما مدد المجلس ولايته أخيراً، أقر قانوناً بذلك، وهو لا يستمر بحكم الاستمرار وتصريف الاعمال. ماذا لدى رئيس المجلس لتصريف الاعمال؟ وهل هو معني بتوقيع معاملات. تلحظ دساتير بعض الدول حالات تتيح استمرار المؤسسات الدستورية المنتخبة عند الضرورة. في الدستور التونسي، اذا وجد مجلس النواب تعذر اجراء انتخابات نيابية جديدة، يستمر في عمله الى ان ينتخب المجلس الجديد. كذلك الامر بالنسبة الى انتخاب رئيس الجمهورية. يمكن استمراره في منصبه الى حين توافر الظروف الملائمة لانتخاب رئيس جديد. ليس في دستورنا ما يلحظ حالا مشابهة. ولاية رئيس الجمهورية ست سنوات، وولاية مجلس النواب اربع سنوات وكذلك رئيسه. بانقضاء هذه السنوات تنتهي الولاية. لذلك لا يصح القياس. الحكومة مسألة مختلفة. لا ينص الدستور سوى على حال واحدة لتصريف الاعمال في نطاق محدد وضيق عندما تكون الحكومة مستقيلة او قبل نيلها الثقة». يضيف: «عوض الخوض في اقتراحات، ينبغي الذهاب الى قلب المشكلة فورا، وهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية. هنا المشكلة».
ينتقل رئيس المجلس الى تعقيب استطرادي، هو تأكيد رفضه تجميد أعمال مجلس النواب واجتماعاته في حال وقوع شغور في رئاسة الجمهورية. يميز بين حالين يري ان ناصية الصلاحية معقودة له فيهما بلا ادنى شك: «للمجلس ان يجتمع للتشريع في المهلة الدستورية، وكذلك في حال شغور الرئاسة، كما له حق الانعقاد في ظل حكومة مستقيلة. يفقد القليل من سلطة المحاسبة بسبب استقالتها، الا انه يظل يمسك بسلطة الرقابة. ها انا وجهت حتى الآن اكثر من دعوة للهيئة العامة الى الاجتماع في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية تناولت موضوع سلسلة الرتب والرواتب. اذا لم يتمكن المجلس من اقرار السلسلة (اليوم) سأدعو الى جلسة اخرى لكن بعد 25 ايار. بالتأكيد لرئيس المجلس صلاحية الدعوة الى جلسات تشريع في كل حين. الا انني اريد تفادي مزيد من الجدل غير المجدي في الايام العشرة الاخيرة من المهلة الدستورية، بين 15 ايار و25 منه. بعد انقضاء الايام العشرة سأعاود عقد جلسات عامة للمجلس».
ورغم آراء مناقضة لوجهة نظره، توخى بري من ختم محضر الجلسة الاولى لانتخاب الرئيس في 23 نيسان الماضي، بعد فقدان نصابها القانوني على اثر الدورة الاولى من الاقتراع، ابقاء الباب مفتوحاً امام عقد جلسات اشتراع محتملة في المهلة الدستورية، كان سيحرمه اياها ابقاء محضر الجلسة الاولى تلك مفتوحا.
لم توافق بضعة اراء موقفه ختم المحضر، ورغبت في ابقاء الجلسة الاولى مفتوحة الى ان يصير الى انتخاب الرئيس، آخذة في الاعتبار انه لم يسبق للمجلس بين عامي 1926 و2008 ان ادار اكثر من جلسة واحدة لانتخاب رئيس الجمهورية، من الدورة الاولى او الثانية او الثالثة حتى.
الواضح ان بري، على رأس البرلمان، اختبر في السنوات الاخيرة اكثر من اسلافه كمّا من سوابق غير مألوفة نجمت عن وطأة الانقسام الداخلي: ان يحدد اكثر من موعد لجلسة انتخاب الرئيس بلغت بين عامي 2007 و2008 عشرين موعدا، وان تجرى دورة اقتراع اولى ويعطل انتخاب الرئيس، وان يثار نصاب النصف +1 لانعقاد المجلس وانتخاب الرئيس مرتين في استحقاقي 2007 و2014، وان يجتمع مجلس النواب للتشريع في المهلة الدستورية. بل في الواقع لم يسبق في اي استحقاق رئاسي ان اجتمع البرلمان في جلسة اقرار مشاريع قوانين في المهلة الدستورية المخصصة لانتخاب الرئيس. وهو ما ترويه الاستحقاقات المتعاقبة:
ــــ الجلسة النيابية العامة السابقة لانتخاب الرئيس كميل شمعون عقدت قبل 14 يوما، في 9 ايلول 1952، وكان مخصصة للاستماع الى بيان وزير المال، وليس في اي من الايام الخمسة الفاصلة بين استقالة الرئيس بشارة الخوري وانتخاب خلفه.
ــــ الجلسة العامة السابقة لانتخاب الرئيس فؤاد شهاب كانت في 8 ايار 1958، قبل اكثر من شهرين من بدء المهلة الدستورية.
ــــ الجلسة السابقة لانتخاب الرئيس شارل حلو كانت في 26 ايار 1964، قبل شهرين ونصف شهر من بدء المهلة.
ــــ كذلك الجلسة الاخيرة لمجلس النواب قبل انتخاب الرئيس سليمان فرنجيه عقدت في 26 ايار، قبل شهرين ونصف شهر من بدء المهلة.
على ان الاستثناء الخارج عن هذا القياس حكماً، هو انعقاد المجلس في اربع جلسات متتالية في يوم واحد ليس بينها جلسة اشتراع، في 5 تشرين الثاني 1989 في مطار القليعات، في محاولة توخت اعادة بناء المؤسسات الدستورية المنهارة على اثر شغور 1988: الاولى لانتخاب رئيس المجلس حسين الحسيني وهيئة مكتب المجلس، الثانية لاقرار اتفاق الطائف وثيقة الوفاق الوطني، الثالثة لانتخاب الرئيس رينه معوض، الرابعة لاداء الرئيس الجديد اليمين الدستورية. استغرقت الجلسات الاربع تلك ساعتين فقط، ما بين الرابعة بعد الظهر والخامسة.
تاريخان فقط شهدا التئام المجلس في المهلة الدستورية اقتصرا على تعديل الدستور هما 19 تشرين الاول 1995 لتمديد ولاية الرئيس الياس هراوي، و13 تشرين الاول 1998 لاتاحة انتخاب قائد الجيش العماد اميل لحود رئيسا للجمهورية. اما التئام البرلمان لتمديد ولاية لحود فكان قبل اسبوعين من بدء المهلة الدستورية في 3 ايلول 2004.