ليس كثيراً ان يصف البطريرك بشارة الراعي الفراغ في رئاسة الجمهورية بأنه عملية قطع الرأس "لأن رئيس الجمهورية هو رأس الدولة، ورئاسة الجمهورية ليست شيئاً اضافياً على البلد، فكيف يمكن ان نقبل بالفراغ، ما هذا التلاعب" ؟
لكن التلاعب سيستمر يا سيدنا وبأكثر من طريقة، فسياسة الاوراق البيض واستحضار اشباح الحرب على ما جرى في الجلسة الاولى، ليست الوجه الوحيد لهذا التلاعب الذي سيطول، فقد وصل الامر الى القول "ان اصرار ١٤ آذار على مرشح استفزازي هو قرار بالفراغ الرئاسي"، ولكأن اصول الديموقراطية باتت تفرض على ١٤ آذار ان تستعير مرشحاً من جماعة ٨ آذار وتقدمه لينتفي الاستفزاز !
او لكأن على ١٤ آذار ان تقدم مرشحاً منها يتبنى مشروع المقاومة، ويصفّق للنظرية الجديدة التي تقول ان حدود ايران وصلت الى جنوب لبنان، ليكون في نظر ٨ آذار "غير استفزازي ومؤتمناً على الثوابت والمصالح والانجازات الوطنية". لكن ألا يمثّل هذا قمة الاستفزاز ويعكس قراراً صريحاً بتعمّد دفع الاستحقاق الرئاسي الى الفراغ المقصود؟!
لقد بات واضحاً عند جميع اللبنانيين ان كل فراغ في هيكليات السلطة يضعف الدولة حتماً، ويدفعها اكثر على طريق الافلاس والتلاشي، بما يستدعي، ولو بعد حين، إصرار البعض على الدعوة الى إعادة النظر في الدستور عبر "المؤتمر التأسيسي" الذي سبق ان وضعوه كفكرة في التداول، ويمارسون منذ ذلك الحين سياسة تعطيل الدولة ومؤسساتها للوصول اليه!
واذا كان مرشح ١٤ آذار استفزازياً بالنسبة الى ٨ آذار، فلماذا لا يتقدم هؤلاء صراحة بمرشح لهم ويتم الذهاب الى جلسة انتخاب رئيس جديد ومبروك لمن يربح، أوليست قاعدة الديموقراطية هي الاحتكام الى صندوق الاقتراع، فلماذا الاصرار على تعطيل النصاب، أوليس لقطع رأس الجمهورية وقطع رأس الدستور اللبناني ورأس الدولة اللبنانية ايضاً؟
وعندما يتحدث اهل ٨ آذار عن حسابات خصومهم الخاطئة "اذا ظنوا ان الاستحقاق الرئاسي يمكن ان يغيّر في المعادلات والتوازنات الداخلية"، ألا يعني هذا صراحة انهم يريدون رئيساً لا يقدر على تغيير شيء من الواقع الراهن، الذي اضعف ويضعف الدولة الى درجة ان ايران مدّت حدودها الى الشاطىء اللبناني، ولم يجرؤ مسؤول في هذه الدولة المسخرة على ان يندد او يستهجن او يعترض او يذهب الى الامم المتحدة شاكياً!
موقف بكركي اعلنه البطريرك الراعي : "لن نقبل ان نبقى بلا رئيس لدقيقة واحدة، هذا امر مرفوض"، ولكن بدلاً من مناشدة الرئيس بري فليضع سيدنا اصبع بكركي في عيون المسيحيين الذين يصرّون على تعطيل النصاب، ولا يترددون في القول ان التعطيل حق سياسي لهم، بينما التعطيل مسمار في تابوت لبنان!