على رغم ان مناقشة زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى القدس في 25 أيار الجاري قد سحبت من التداول الاعلامي والعلني نسبيا استنادا الى رد فعل غاضب ابداه البطريرك على تطاول على موقعه في ضوء اعطاء تفسيرات وأبعاد لهذه الزيارة في غير وجهتها الاصلية من جهة ورفضا لمحاولات املاء ضغوط علنية على كنيسة لم تتصف يوما بخضوعها لها من جهة ثانية، فان الكثير من الاتصالات واللقاءات بعيدا من الاضواء تحاول تقويم الزيارة على ضوء التطورات المرتقبة والمعروفة الى حد ما في الايام المقبلة. اذ ان احتمال الفراغ او الشغور في سدة الرئاسة الاولى التي يغادرها الرئيس ميشال سليمان ليل 24 - 25 ايار والذي يقترب من ان يغدو امرا واقعا لا مفر منه اذا استمرت عرقلة انتخاب رئيس جديد يصادف تزامنه مع موعد زيارة البطريرك للقدس من اجل المشاركة في استقبال البابا فرنسيس. وهذا العنصر يلقي بثقله على وضع مسيحي صعب ومشرذم سينكشف مع عدم انتخاب رئيس جديد وعدم وجود افق منظور لحصول هذا الانتخاب ويخشى ان ينكشف بصورة اكبر مع الزيارة المرتقبة للبطريرك الماروني للقدس. وذلك في الوقت الذي قد يكون هذا الوضع في حاجة ماسة الى المرجعية المسيحية الروحية الابرز التي تمثلها بكركي مع فقدان توازن سياسي يشكله راهنا وجود رئيس للجمهورية استطاع حتى اللحظة الاخيرة اتخاذ مواقف تسجل له على صعيد المحافظة على سيادة لبنان ووحدته وسيبرز بوضوح فور مغادرة سليمان قصر بعبدا. فلا يتحمل هذا الوضع ان تتم اعاقة جهود هذه المرجعية تحت اي مسوغ خصوصا ان الاتصالات تنصب لديها من أجل لملمة الوضع المسيحي على رغم خروج بعض الافرقاء على رعاية الاتفاقات التي تعقد برعايتها وخصوصا انها ستغدو اكثر الجامع المشترك الذي يركن اليه الافرقاء الاخرون مع الشغور في موقع الرئاسة الاولى.

فالاسباب التي تحتم مشاركة البطريرك في استقبال البابا واهمية ذلك في الوجدان المسيحي ولو مع عودة رمزية ومحدودة الى القدس والاراضي الفلسطينية المحتلة لا تحتاج في الاساس الى تبريرات مختلفة وذلك من منطلق ومنطق ان الاسباب صحيحة ووجيهة في صميمها وفي بعدها الديني الصرف لكن بعيدا من أي استغلال او توظيف، وهو أمر قد لا يكون سهلا. لكن الاهم والابرز في هذا الاطار هو ان الجهد الذي يضعه البطريرك الماروني من اجل انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية يحتاج الى استمرارية بالزخم والقوة نفسهما اللذين يعمل عليهما البطريرك راهنا اي بلا انقطاع او تشويش من اي عامل يمكن ان يطرأ قسرا عليهما في الوقت الذي يبدي كثر حذرا ازاء احتمال تحفيز زيارة البطريرك للقدس مواطنين لبنانيين على القيام بالمثل ان من اجل المشاركة في استقبال البابا او لزيارة مهد ولادة المسيح وللحج لاحقا. وهذا العامل قد لا يكون مهما او خارج اطار الضبط في المرحلة الراهنة، لكن الاهم والاساسي ان تبقى بكركي فاعلة وقوية على خط قدرتها على التأثير واعلاء شأن كلمتها ورأيها. وهو ما يخشى كثر ان يطرأ في المدى القريب نتيجة المقاربة المختلفة للزيارة وتقويمها وفق الحسابات السياسية والمصالح لافرقاء كثر وتداخل هذه الحسابات والمصالح مع اعتبارات اخرى بحيث قد لا تساعد جميعها في ابقاء الزخم الذي تتمتع به بكركي على حاله، أقله لبضعة اشهر مقبلة لعلها الاكثر أهمية بالنسبة الى الوضع المسيحي في حال حصل شغور في موضع الرئاسة الاولى لاشهر وفق ما يلوح حتى الان.