يستمر الاستحقاق الرئاسي في مراوحة ما يشير الى انه لن ينجز في المهلة الدستورية التي لم يبق منها سوى 12 يوماً فقط، فكلّ ما جرى حتى الآن لم يؤكد وجود "خريطة طريق" فعلية تؤدي الى هذا الانجاز.

ويرى قطب سياسي انّ كل ما قام به المعنيون بالاستحقاق الرئاسي منذ بدء المهلة الدستورية في 25 آذار وحتى الآن كان بمثابة تعبير عن المواقف، وليس هناك ما يشير الى وجود خريطة طريق فعلية بعد تؤدي الى إنجاز هذا الاستحقاق في وقت محدد.

وهذه المواقف المعبّر عنها، والتي اتخذ بعضها طابع توصيف الرئيس العتيد، أكدت بما لا يقبل الشك انّ هذا الرئيس لا يمكن الّا ان يكون توافقياً، لأنّ أيّاً من الافرقاء السياسيين لا يملك وحده الاكثرية النيابية التي تمكّنه من انتخاب رئيس ينتمي اليه سياسياً. ولذلك، فإنّ الجميع باتوا مقتنعين بـ"توافقية" هذا الرئيس، لأنّ أيّاً منهم ليس في وارد الإخلال بالتوازن المحافظ عليه منذ العام 2005 وحتى الآن.

وفضلاً عن ذلك، فإنّ فرصة "لبننة" الاستحقاق التي لا تزال متاحة في رأي رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يحضّ الافرقاء السياسيين على اقتناصها وعلى انتخاب رئيس يقبل به الخارج بعكس الماضي حيث كان الخارج "ينتخب" والداخل "يقبل".

ومردّ هذه الفرصة هو انه ليس هناك حتى الآن أيّ بحث خارجي جدّي في الاستحقاق الرئاسي اللبناني، ولكنها فرصة مهددة بالضياع لأنه ليس هناك بعد أي بحث جدي داخلي في إنجاز هذا الاستحقاق، لأنّ الاطراف الداخليين وبدلاً من ان يبادروا، يقفون في موقع انتظار ما سيقرره الخارج.

على انّ هذا الانتظار يتخذ الطابعين الخارجي والداخلي في آن، فهو من جهة يرتبط بالمفاوضات الاقليمية والدولية، ولا سيما منها تلك الدائرة بين الولايات المتحدة الاميركية والدول الغربية وإيران، ويرتبط من جهة ثانية بالمفاوضات الجارية بين "التيار الوطني الحر" بزعامة رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون، وتيار "المستقبل" بزعامة الرئيس سعد الحريري، وهذه المفاوضات كانت قد بدأت قبل بضعة أشهر بمبادرة "عونيّة" وتركز على إقناع "المستقبل" بالقبول بعون "رئيساً توافقياً" للجمهورية خلفاً للرئيس ميشال سليمان الذي ستنتهي ولايته منتصف ليل 24-25 أيار الجاري.

ولكن هذه المفاوضات لم تتوصّل الى نتائج ملموسة حتى الآن، على رغم انّ الطرفين يحرصان على إشاعة أجواء ايجابية حول مسارها توحي بأنها قد تتوصّل الى توافق بينهما على الاستحقاق الرئاسي وما بعده.

وفي هذا السياق تكشف المعلومات انّ عون اقترح على الحريري التوصّل الى "وثيقة تفاهم" بين التيارَين "البرتقالي" و"الازرق" ركّزت على تعزيز الاستقرار الداخلي واعادة انتاج السلطة وتنفيذ برنامج سياسي من ابرز بنوده التمسّك بـ"اتفاق الطائف" والحفاظ على الوحدة الوطنية وصيغة العيش المشترك بين اللبنانيين، واقرار قانون انتخاب عصري وغيره من القضايا التي تَرِد في البيانات الوزارية للحكومات التي تؤلف منذ اقرار الاصلاحات الدستورية والسياسية التي نادت بها وثيقة الوفاق الوطني المعروفة بـ"اتفاق الطائف" منذ إقرارها عام 1989.

ولكنّ الحريري ردَّ على هذه الوثيقة مطالباً بأن تتضمن موقفاً واضحاً من سلاح حزب الله، يقضي بأن يوضع هذا السلاح بإمرة الدولة والجيش لمدة سنتين او ثلاث سنوات في مرحلة اولى، ثم يسلّم الى الجيش كليّاً بعد انتهاء هذه المدة كمرحلة ثانية.

وطلب الحريري ايضاً ان تتضمن الوثيقة "موقفاً حاسماً وغير ملتبس" من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، يدعو الدولة الى العمل على تسليم المتهمين بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وغيرها من الجرائم الى هذه المحكمة. كذلك شدد الحريري على ان تتضمن الوثيقة ايضاً "إدانة تدخّل حزب الله في سوريا، والذي أدى في رأيه الى "عداوة" بين اللبنانيين.

وأبلغ الحريري الى عون أنه إذا قبل بهذه النقاط لا يعود هناك أي مشكلة في موضوع انتخابه رئيساً للجمهورية، أمّا اذا لم يقبل فإنه سيكون صعباً على تيار "المستقبل" إقناع حلفائه بقبوله "رئيساً توافقياً".

أحد السياسيين المطلعين على ما يجري بين "التيارين" يؤكد استحالة حصول أيّ تفاهم بين الحريري وعون، الّا في حال واحدة وهي ان يقرّر عون أن يعود "ميشال عون 13 تشرين"، وهذا أمر مستحيل بالنسبة اليه.