بعدما سقط خيار التمديد صراحة للرئيس ميشال سليمان في سدة الرئاسة الأولى، ابتدع فكرة تتيح له الاستمرار في قصر بعبدا إلى أجل غير مسمى، فيما استمرت مواقف 8 و14 آذار بشأن الاستحقاق الرئاسي على حالها من التباعد قبل أيام من جلسة الانتخاب الثالثة المقررة الخميس المقبل
رولا إبراهيم

يسعى رئيس الجمهورية، ميشال سليمان، في آخر عهده، إلى انتشال زير «إنجازات» من بئر عهده الفارغة. فطن، فجأة، إلى ضرورة إعادة مهجري بلدة بريح الشوفية إلى منازلهم. وانتبه، فجأة أيضاً، إلى أن الجيش في حاجة إلى تسليح، رغم تعطيله سابقاً ــــ وبعض قوى 14 آذار ــــ صفقة روسية لتسليحه. دعا إلى طاولة حوار «حاشدة»، فلم تكن طاولة ولا من يتحاورون.

يبدو الرئيس، هذه الأيام، كأنه نائب خمول يستعجل تقديم أي طرح قبيل انتهاء ولايته لترميم صيته. لذلك، استعان بمشروع صديقه وزير الداخلية السابق زياد بارود حول اللامركزية الإدارية.
لكن، كل ذلك ــــ وغيره ــــ «كوم»، وبدعته الأخيرة «كوم» آخر. فقبل أيام قليلة، وبعدما سُدّت أبواب التمديد الدولية والمحلية في وجهه، استدعى سليمان أحد مستشاريه شادي كرم، لإعداد فقرة صغيرة تتيح له التمديد لنفسه في حال تعذُّر انتخاب خلف له. ولكي لا يستفز «المجتمع الدولي»، سيورد طرحه تحت عنوان «تصريف الأعمال». وتقول مصادر مقربة من بعبدا إن سليمان انطلق من «عدم قدرة الحكومة على ملء فراغ الرئيس أولاً، ومن ضرورة الإنصاف بين الطوائف ومعاملة الموقع المسيحي الأول بالأهمية ذاتها التي يتعامل فيها السنّة مع رئاسة الحكومة والشيعة مع رئاسة المجلس النيابي ثانياً. وهكذا، يُصبح شغور الكرسي الرئاسي المسيحي مستحيلاً، شأنه شأن المواقع الأخرى». وقد أنجز كرم، وفقاً للمصدر، كتابة الأسطر الثلاثة، على أن يتولى سليمان تسويقها، نظراً إلى حاجتها لتعديل دستوري وأصوات النواب كي تصبح قانونية، علماً بأن عضو كتلة المستقبل النيابية هادي حبيش كان قد أعلن البدء بإعداد دراسة مماثلة. ولم يعد أمر هذه «البدعة» سراً.
فالمقربون من بعبدا يبشرون بها في وسائل الإعلام، وبينهم على سبيل المثال، الوزير عبد المطلب حناوي.
وقد أسرّ سليمان بفكرته للبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، الذي اكتفى بالإشارة إلى ضرورة تحقيق إجماع وطني حولها، على ما تقول أوساط بكركي. فيما يقول أحد المطلعين على الفقرة إنها «سقطت قبل أن تُناقش بسبب ضيق الوقت الباقي لسليمان واستحالة نيله ثلاثة أرباع الأصوات اللازمة لإقرارها». والأهم أن «لعبة التمديد، المبطن بحجج طائفية، مكشوفة، لأنه لا فرق فعلياً بين تصريف الأعمال الذي يمكن أن يمتد عاماً أو اثنين، وبين التمديد».
وفي الشأن الرئاسي أيضاً، يبدو أن الرابية انتقلت من البحث في انتخاب رئيس قبل نفاد المهل الدستورية الى سيناريوات ما بعد 25 أيار، رغم أن مصادر التيار الوطني الحر لا تزال تؤكد أن انتخاب رئيس جديد ممكن خلال الأيام التي تفصل عن نهاية ولاية سليمان. وبحسب سياسيين قريبين من بكركي، طرح الوزير جبران باسيل مع الراعي الأسبوع الماضي فكرة قائمة على مؤشرات بأن «الأطراف الإسلامية لا تبدو معنية فعلياً بإجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده، وخصوصاً بعدما جاءت الأطراف الدولية بحكومة يمكن أن تحل مكان الرئيس». فرئيس المجلس النيابي نبيه بري «لم يترك مناسبة أخيراً إلا شدّد خلالها على صلاحيات المجلس النيابي التشريعية، بغض النظر عمّا إذا انتخب رئيس أو لا»، فيما «لغة الرئيس سعد الحريري مبهمة تجاه عون واهتمامه فاتر بموضوع الرئاسة». لذلك تبلورت الأسبوع الماضي فكرة لدى الرابية وأعوانها مفادها أن «أي فراغ رئاسي يجب أن ينسحب فراغاً في الحكومة والمجلس النيابي. بذلك يتعطل البلد بكامله، ويمكن بعدها الضغط محلياً وخارجياً للتوافق على رئيس بسرعة». لكن الراعي رفض الفكرة ضمنياً بقوله إن «التعطيل يمسّ بالاستقرار». وأكد، في الوقت نفسه، معارضته الفراغ وترك البلد في أيادي الطوائف الأخرى، موافقاً في ذلك على «المقدمة» التي أسمعه إياها باسيل. ومهما كان من أمر، يقول أحد زوار بكركي الدائمين: «لم يحسن باسيل اختيار وقت طرحه، ولا سيما أن الراعي يعيش توتراً مضاعفاً جراء إشكالية زيارته المرتقبة للقدس».
وكان الراعي قد شدد على أن «انتخاب الرئيس واستمرارية وجوده يعطي الشرعية للمؤسسات العامة»، وقال في عظته خلال قداس في حريصا: «نصلي لكي يلهم الله الكتل السياسية والمجلس النيابي حسن إجراء هذا الانتخاب، واختيار الرئيس الأنسب في الظروف الراهنة لخير لبنان ومؤسساته». وأكد أن «الفراغ في سدة الرئاسة الذي يخشى منه، أو الذي يعمل له البعض، على ما يبدو، مرفوض بالمطلق منا ومن الشعب».
مواقف من الاستحقاق
في غضون ذلك، استمر التجاذب بين قوى 8 و14 آذار حول الاستحقاق الرئاسي. وفي هذا الإطار، أكد وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش أن «الخلاف السياسي بين فريقي 8 و14 آذار ينعكس على إجراء الاستحقاق الرئاسي، وأن النصاب المطلوب لإجرائه يحول دون تمكن أي فريق سياسي بمفرده من إيصال مرشحه لهذا الموقع». وأشار إلى أن «الموضوع لم يعد يتعلّق بتأمين النصاب أو بعقد جلسة، بل بالتوافق على شخص الرئيس، مؤكداً أن «الرئيس يجب أن لا يكون جزءاً من الخلافات السياسية».
من جهته، شدد عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب آلان عون على أن «الأهم اليوم هو خلق ظروف لإمكانية انتخاب الرئيس، وهذا ما نسعى إليه أكثر من موضوع الترشيحات»، موضحاً أننا «لا نزال في إطار النقاش بين الكتل السياسية والنيابية».
وأشار في حديث إذاعي إلى أننا «نعوّل على الحوار مع تيار المستقبل وأن يؤدي إلى خرق ما»، لافتاً إلى أن «الاجتماع المرتقب في بكركي قد لا ينتج أي جديد في موضوع الرئاسة». وقال: «المشكلة اليوم هي أن نصل إلى خرق في فريق 14 آذار لكسر دوامة الدوران الفارغ حول نفسنا».
وأكد عضو كتلة حزب الكتائب النائب إيلي ماروني أن «كل النيات وكل ما قيل لم يؤد إلى أي نتيجة وكل فريق متمسك بمواقفه حول الاستحقاق الرئاسي»، وقال: «سنذهب الخميس المقبل إلى جلسة لا نصاب فيها».
وشدد على أن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لا يزال المرشح المعلن حتى الساعة لقوى 14 آذار». فيما رأى نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق أن «المشكلة بالنسبة للاستحقاق الرئاسي هي عند فريق 14 آذار الذي أصر على مرشح تحدّ، وهذا هو السبب المباشر لتأخير هذا الاستحقاق».
وأكد عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي بزي أن الرئيس بري «يقوم بواجباته على صعيد الاستحقاق الانتخابي المتعلق برئاسة الجمهورية». وقال خلال تكريم الرابطة الثقافية في بلدة ميس الجبل «نحن مسؤولون عن ممارسة صلاحياتنا ومسؤولياتنا لصناعة رئيس للجمهورية بأيدٍ لبنانية».