استعرض دبلوماسي شرقي الوضع العام في المنطقة ليوضح أنّ العلاقات الأميركية الروسية ليست في أسوأ حالاتها، وليؤكد أنّ التسوية بشأن سوريا ولبنان سلكت طريقها الصحيح وإن كانت بخطوات متأنية وبطيئة، وذلك بعد أن حصل الغرب على ضمانات تحافظ على مصالحه الاستراتيجية من الجانب الايراني وذلك بسعي وتنسيق مع روسيا التي على ما يبدو أوكلت ايران بالشأن الاقليمي لتتفرغ إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، أي لمعالجة ملفات اوروبا من خلال اعادة رسم المشهد في اوكرانيا، خصوصًا أنّ نتائج المواجهة الروسية الأميركية في هذه الدولة التي تشكل الحديقة الخلفية لروسيا من شأنها أن تنعكس على مستقبل القارة العجوز برمتها، كما على دول اليورو القابعة تحت عدد من الازمات السياسية والاقتصادية المكتومة.
يتوقف الدبلوماسي عند التحولات في لبنان وسوريا، فيعتبر أنّ أيًا منها ما كان ليحصل لولا موافقة واشنطن وموسكو، فالمعلومات المتداولة في المحافل الدولية تؤكد أنّ تسوية حمص القديمة بين النظام والمسلحين طبخت بخطوطها العريضة في الامم المتحدة بين المندوبين الاميركي والروسي، ولم يبق للمفاوضين السوريين سوى تفاصيل صغيرة ممنوع أن يكمن شيطان المفاوضات فيها، بحيث يمكن القول أن هذا النموذج سينعكس أيضًا على سائر القرى والمحافظات السورية تأسيسا لفرز مسلحي المعارضة عن المدرجين على لائحة الارهاب الدولي تمهيدا لتوجيه ضربة قاصمة للارهابين والتكفيريين بعد محاصرتهم سياسيا وجغرافيا.
واستنادًا إلى هذه المؤشرات، لا يستبعد الدبلوماسي أن تنعكس هذه التحولات على مجمل الوضع في المنطقة بعد أن تغيّر سلم الاولويات الأميركية، فواشنطن انصرفت إلى محاورة الايرانيين حول مستقبل افغانستان في ظلّ بدء تدريجي لسحب القوات الاميركية من هناك، علمًا أنّ الجيش الأميركي ينفذ منذ أسابيع عمليات إعادة انتشار واسعة كما بدأ بسحب قوات الدعم الاستراتيجي وبعض قواعد إطلاق الطائرات من دون طيار والمعدات والرادارات التابعة لها، وذلك بعد أن حققت المطلوب من الملف النووي الذي بات في عهدة المفاوضين وهو على سكة التوقيع النهائي المقدر له أن ينتهي في تموز المقبل بحسب المعلومات المسرّبة، فضلا عن أنّ الخارجية الأميركية بأجهزتها تعمل على خرق واضح في إطار المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية تمهيدًا لتوظيف هذا الملف في سائر الدول العربية والخليجية على اعتبار أنّ بدء مفاوضات جدية بين اسرائيل والعرب يبدأ من داخل الاراضي المحتلة وليس العكس.
في الموازاة، يتوقف الدبلوماسي عند جرس الإنذار الموجه للمملكة العربية السعودية من خلال تسعير الوضع الأمني في اليمن مع ما يحمله هذا التصعيد من أخطار على الحدود السعودية الجنوبية لعدة اعتبارات أولها تحريك القاعدة التي تشكل الخطر الاول على منظومة الحكم داخل المملكة المحشورة في ملفاتها الخارجية، وهذا أمرٌ لم يأتِ من فراغ، بل من خلال عمل متقن ومستمر. بيد أنّ التعيينات الجديدة داخل مراكز القرار السعودي ليست سوى مقدمة لما هو أبعد من ذلك، خصوصًا أنّ التورط السعودي في الملفات الاقليمية على غرار سوريا ولبنان وايران وصل الى المأزق الكامل، بحيث بدت الرياض عاجزة عن الخروج من الرمال الاقليمية المتحركة سالمة ما لم تتدخل واشنطن للحد من الأضرار والخسائر المباشرة وغير المباشرة، من خلال اعادة تركيب هيكلية اقليمية جديدة تحفظ المصالح الروسية الناشئة.
هذه البانوراما ستنعكس حتمًا على الوضع اللبناني وتؤسّس إلى مشهد جديد عبّر عنه أكثر من قيادي في "حزب الله" من خلال الايحاء بأنّ أيّ تركيبة جديدة مناهضة لـ"حزب الله" تحديدًا ومن خلاله المحور السوري الايراني الروسي غير مسموح بها على الاطلاق، في إشارة واضحة إلى أنّ تقدم المفاوضات الايرانية الغربية هو من يقف وراء التحولات السورية واللبنانية، وبالتالي فإنّ الاوراق باتت في أيدٍ قوية لا مكان فيها لصغار اللاعبين بحسب التعبير.