لو لم يكن لرئاسة الجمهورية وزنٌ تمثيلي ميثاقي يخصّ المسيحيين، كما رئاستا المجلس للشيعة، والحكومة للسنّة، لأمكَن الحديث عن شغور، إذا لم يُنتخَب رئيس قبل 25 أيار. لكنّ للمواقع الثلاثة هنا أبعاداً ميثاقية.

إذا لم يُنتخب رئيس، يكون شغور بالمفهوم التقني أو الدستوري. ولكن، بالمفهوم الميثاقي، يكون فراغٌ حقيقي، بل خللٌ ميثاقي. ومجلس الوزراء مجتمعاً يعوِّض الشغور التقني، ولكن ليس الفراغ الميثاقي.

ولذلك، من الخطِر السماح للمجلس النيابي بتعطيل إنتخابات الرئاسة تحت أيّ عذر. فهو مؤسسة دستورية لها أبعاد ميثاقية، ولا يمكنه أن يطيح برئاسة الجمهورية التي تحمل الأبعاد عينها. وهناك خلل في النظام، يجب تصحيحه سريعاً.

فلبنان يشهد إنزلاقاً متنامياً من النظام البرلماني الديموقراطي نحو الديكتاتورية المجلسيّة. فالعمل التشريعي والإنتخابي المجلسي تعطَّل مراراً في الأعوام الأخيرة، لغايات فئوية، ثم مدَّد المجلس لنفسه إلى ما بعد إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وهو يعطِّل إنتخابَ الرئيس بتطيير مقصود للنصاب.
والتصحيح يكون بإعادة الإعتبار إلى كل مؤسسة دستورية، بحيث لا تكون إحداها قادرة على تخليد نفسها وإطاحةَ أخرى. أي، تستطيع مكوِّنات وطنية أن تطيح مكوِّناتٍ أخرى.

فالمجلس أباحَ لنفسه أن يتجاوز وكالة الأربع سنوات، فمدَّد لنفسه خلافاً لأيّ فلسفة قانونية بحجة الضرورات القاهرة. لكنه لا يرى أنّ هذه الضرورات تضطره أيضاً إلى إنتخاب رئيس للجمهورية. ولذلك، ليست الرئاسة وحدها في خطر متزايد، بل الجمهورية والكيان أيضاً. فإستسهال اللعب بالتوازنات الميثاقية سيؤدّي إلى إنفجارٍ ميثاقي عاجلاً أم آجلاً.

البعض يقول: المقصود بلوغ المؤتمر التأسيسي. وهناك ستُفرَض الخيارات بداعي القوة. وهذا ما يدفع بعض المشرِّعين، وحتى المسيحيين، إلى الخوف أو التخويف من إبتكار الخيارات الإبداعية للخروج من المأزق، تحت شعار: مهما حصل اليوم، فإنه أفضل من المسِّ بالطائف. فهذا الإتفاق "لا تهزّه... واقف على شوار"!

ووسط هذا الخوف يستمرُّ تهميش المكوِّن المسيحي. فالنواب المسيحيون لا يترجمون الشراكة الميثاقية لأنّ معظمهم تأتي به القواعد غير المسيحية، فيما كل من المكوّنين السنّي والشيعي يتفرّد بإيصال نوابه. وهذا يؤسّس لخلل دائم في المجلس الذي يُفترض أنه سيِّد نفسه... لكنه ليس كذلك!
وإذا لم تكن الظروف مؤاتية لمعالجة ميثاقية شاملة، فتجدر المسارعة إلى إنقاذ رئاسة الجمهورية.

ويمكن، إذا توافرت النيات، إبتكار أفكار خلاقة للإنقاذ. ومنها أن يُعدَّل الدستور ليُنتخب الرئيس مباشرة من الشعب. وهذا الطرح يتداوله حقوقيون ومفكرون، كبديل لا يتناقض وروحية الطائف، إلى أن ينضج الحلّ الوطني الشامل والدائم.

ومراعاةً للميثاقية، يمكن إجراء الإنتخابات على دورتين: أولى تأهيلية يقترع فيها المسيحيون وحدهم ليختاروا المرشحَيْن أو الثلاثة الأكثر تمثيلاً لهم، وثانية على مستوى وطني شامل لإختيار رئيس من بين هؤلاء.

وفي ذلك، تنتهي مهزلة "كلمة السرّ" الخارجية التي تأتي بالرؤساء، ويضطر المرشّح الذي يحظى بالثقة إلى الإعلان في كرامةٍ وشرفٍ عن برنامجه، بدل الهرْوَلة المهينة وراء السفراء والقناصل. فيصبح الرئيس فعلاً "صُنِع في لبنان". كما تنتهي أزمة المسيحيين الذين أجمعوا مع بكركي، على رغم خلافاتهم، على وجوب أن تكون لرئيس الجمهورية قاعدة تمثيلية في طائفته.

هذه الفكرة الإنقاذية يرفضها البعض لعدم فهمها، والبعض لرغبة في إستمرار الهيمنة، والبعض من المسيحيين... وحتى "النخبويين" منهم... لأنّ الروح الذميّة باتت مستعصية لديه وبات معتاداً - ومعتاشاً - على فكرة التهميش. ويعتبر البعض أنّ الفكرة تستعيد مشروع "اللقاء الأرثوذكسي" وتطبِّقه في رئاسة الجمهورية، علماً أنها في العمق أقرب إلى المشاريع الإنتخابية النسبيّة.

ولكن، وفي معزل عن الجدل البيزنطي السائد، هل يتبرَّع الرافضون بالبديل السليم والصادق، قبل أن ينفجر البلد تحت وطأة التكاذب والتلاعب بالميثاق؟