تساءل مسؤول كنسي: لماذا يشكو الموارنة من عدم التوصل الى انتخاب رئيس قوي للجمهورية كما يتوصل السنّة والشيعة الى ايصال شخصيات قوية الى رئاسة المجلس ورئاسة الحكومة؟

الجواب عن ذلك واضح وهو أن السنّة يتفقون على من يريدون رئيساً للحكومة والشيعة يتفقون على من يريدون رئيساً لمجلس النواب. أما الموارنة فلا يتفقون وعندها يصير اتفاق على رئيس للجمهورية يعتبرونه ضعيفاً أو غير مقبول ثم يحمّلون الشريك المسلم مسؤولية انتخابه...
هذا الوضع لم يكن سائداً في الماضي لأن التعددية التي كانت موجودة داخل كل طائفة وداخل كل مذهب كانت تجعل من النظام الديموقراطي قاعدة للتنافس سواء في الانتخابات النيابية أو في تشكيل الحكومات أو في انتخاب رئيس للجمهورية. فعند تشكيل اللوائح الانتخابية كان شقيق في لائحة ينافس شقيقه في لائحة أخرى لأن لكل منهما نظرة سياسية، وهذه التعددية جعلت تمثيلها في المجالس النيابية وفي الحكومات وفي الرئاسة الاولى يتم بأوزان مختلفة وبحسب الظروف، في حين أن الطوائف الاخرى التي لا تعددية فيها تتمثل بمن تسميه وإلا فلا انتخابات نيابية ولا حكومات ولا احترام للميثاق الوطني. وحدها رئاسة الجمهورية المخصصة للطائفة المارونية في حاجة الى توافق لأن القادة الموارنة غير متفقين كما الطوائف الاخرى على تسمية مرشح واحد للمنصب المخصص لها وترفض التنازل عن صلاحيات هذا المنصب للآخرين بدليل انه عندما لم تعد الطائفة الشيعية ممثلة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة اعتبرتها غير ميثاقية وأقفلت أبواب مجلس النواب في وجهها. وعندما استقالت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي رفضت الطائفة السنية ان يتولى مجلس النواب صلاحياتها فكانت مقاطعة الجلسات. وعند تشكيل الحكومات كان في الامكان تمثيل كل طائفة بزعيم مساوٍ بوزنه لزعيم آخر من الطائفة نفسها، وكانت الاكثرية النيابية المنبثقة من انتخابات حرة نزيهة، تنتخب رئيس الجمهورية من بين أقوياء أي إن الديموقراطية العددية كانت هي التي تطبق في ظل التعددية داخل كل مذهب وطائفة. أما اليوم فقد أصبح تطبيق الديموقراطية العددية متعذراً في غياب التعددية وانحسار الشعور الوطني داخل كل مذهب وطائفة وحل محله الشعور الديني فكان ما يسمى الديموقراطية التوافقية التي تحاول إرضاء كل مذهب وكل طائفة عند كل استحقاق. فالطائفة الشيعية صار قرارها واحداً في كل موضوع ولا تعددية فيها، وكذلك الطائفة السنيّة والطائفة الدرزية وإن بنسبة معينة، ولم تبق التعددية قائمة إلا في الطائفة المارونية.
أما رئاسة الجمهورية التي تخص الموارنة، فان مجلس الوزراء مجتمعاً هو الذي يتولى صلاحياتها بموجب دستور الطائف عند شغورها، في حين كانت حكومة برئاسة ماروني تتولى صلاحيات الرئاسة عند شغورها حرصاً على الميثاق الوطني الذي وزّع الرئاسات الثلاث على الطوائف الكبرى بحيث لا يسد الفراغ فيها إذا حصل سوى الطائفة نفسها ولكن قبل اتفاق الطائف.
إن انقسام المسيحيين وتفرقهم، ولا سيما الموارنة، هو الذي جعلهم يخسرون جزءاً من صلاحيات الرئاسة عند وضع دستور الطائف لأنهم ذهبوا إليه بعد حرب في ما بينهم عرفت بحرب "الالغاء"، وصار يخشى إذا ما استمر انقسامهم وتفرقهم وتوزعهم بين 8 و14 آذار أن يخسروا حتى الرئاسة الاولى إذا ما اعتمدت المداورة بين الرئاسات الثلاث، أو انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة فتأتي الأكثرية الناخبة برئيس ماروني ضعيف أو خاضع للاكثرية التي جاءت به.
وما دامت التعددية، وان كان يعتبرها البعض مصدر غنى في الطائفة المارونية ولو وحدها وظلت سبباً للخلافات والانقسامات بين قادة الطائفة، ولا تعددية في الطوائف الاخرى، فلن يصل الى رئاسة الجمهورية سوى المرشح الذي تختاره اكثرية الطوائف الاخرى، ولن يفوز حتى في الانتخابات النيابية إلا المرشح الذي يعتمد على اصوات الاقليات في دائرته.
لذلك فلا حل للتمثيل الصحيح واحترام الميثاقية الا بعودة التعددية إلى داخل كل مذهب وطائفة كي يعود النظام الديموقراطي الذي يعتمد العددية اي اكثرية تحكم واقلية تعارض، أو تزول التعددية من داخل كل مذهب وطائفة وتطبق عندئذ الديموقراطية التوافقية عند كل استحقاق. ومن دون ذلك فلا دور للمسيحيين وتحديداً للموارنة ما داموا منقسمين ولا احد يستطيع اخذ دورهم منهم وهم متفقون.