قد يكون ملف سلسلة الرتب والرواتب، منذ سنوات طويلة، هو الأهم بالنسبة إلى شريحة واسعة من اللبنانيين، نظراً إلى تداعياتها الكبيرة على أوضاعهم الإقتصادية والإجتماعية، لكن هناك من في داخل الطبقة السياسية لم يهتم يوماً لمصالح المواطنين، وبالتالي ليس من المستغرب أن يدّعي أن لا إمكانية لإعطاء الحقوق لأصحابها، بدل البحث عن الأسباب الحقيقية التي أوصلت خزينة الدولة إلى هذه المرحلة، وكأن المواطن العادي هو المسؤول عن الهدر والفساد المستشري في الإدارات العامة، وليس هناك من إستغل نفوذه من أجل بناء ثرواته الطائلة على حسابه.
من لجنة إلى أخرى، تنقّل ملف سلسلة الرتب والرواتب، وفي كل مرة كانت الحقوق تتعرض إلى عملية "قضم" خطيرة، وكانت بعض الكتل النيابية تتهرّب من مواقفها، ما يؤشر إلى أنها من الأساس غير راغبة بإقرارها، حيث من غير المفهوم كيف تعارض بعض الكتل مشروع قانون وافق عليه ممثلوها خلال بحثه في اللجان المختصة، لتطلب تحويله إلى لجان جديدة، لتثبت مقولة: "اللجان مقبرة المشاريع"، مرة جديدة، أنها الأقوى على الساحة اللبنانية.
في هذا التقرير، ليس هناك مجال لمناقشة كل أرقام السلسلة، بعد التقرير الذي أعدّته اللجنة النيابية برئاسة النائب جورج عدوان، إلا أنّه من الضروري التطرق إلى تلك المتعلقة برواتب ضباط وعناصر الجيش اللبناني، نظراً إلى أن هؤلاء لا يملكون حق الإعتصام والتظاهر، كما يفعل غيرهم من أصحاب الحقوق، في الوقت الذين يقدمون دماءهم دفاعاً عن الوطن، وبالتالي من غير المقبول السماح بالظلم الذي يتعرضون له منذ سنوات طويلة.
من المطلوب أن يتحمل هؤلاء الضباط والجنود مسؤولية التحريض الطائفي والسياسي الذي تقوم به القوى السياسية، وأن يقدموا أغلى ما عندهم خلال تنفيذ مهامهم، لكن في المقابل تبحث هذه القوى عن أي وسيلة لحرمانهم من حقوقهم بدلا من السعي للحفاظ عليها.
وفي هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن المتعاطين بشأن الرواتب والأجور يجمعون على أن غلاء المعيشة إرتفع ما بين 31-12-1995 و31-12-2011 بنسبة 121%.
ومن أجل الدلالة على الظلم الذي يتعرض له أبناء المؤسسة العسكرية، تدعو إلى مقارنة نسب الزيادة على الرواتب التي كانوا سيحصلون عليها في المشروعين المقدّمين من اللجنتين الأخيرتين اللتين بحثتا الموضوع في الفترة الأخيرة، الأولى برئاسة النائب إبراهيم كنعان والثانية برئاسة النائب جورج عدوان، وتشير إلى أنهم في الحالتين لم يحصلوا على حقوقهم، (نسبة 121%)، والسبب يعود الى مصادر التمويل حسب الزاعمين لتصبح حقوق العسكريين مهدورة، والمفارقة أن الحقوق هُدِرت عندما انتقلت من لجنة إلى أخرى، حيث يتبين، بحسب الجدول المرفق أدناه، أن أعلى نسبة لدى لجنة النائب كنعان بلغت 125% لدى العقيد، وأدنى نسبة لديها كانت 43% عند العماد قائد الجيش، في حين بلغت أعلى نسبة لدى لجنة النائب عدوان 108% عند الجندي، وأدنى نسبة 35% عند العميد، وتوضح أن هذا الأمر حصل تحت عنوان: "الترشيق" الذي تحول فعلياً إلى عملية "فرم".
وتشدد المصادر على أن ما يحصل أمر غير مقبول على الإطلاق، فليس على هذا النحو تعامل المؤسّسة العسكرية والجيش اللبناني، فبعد أن ضُرب تسليح الجيش أكثر من مرّة تمتدّ بعض الأيادي لتنهش رواتب العسكريين،  ما يثير حول الهدف ممّا يحصل الكثير من علامات الإستفهام، خصوصاً في المرحلة الراهنة التي تزداد فيها المهام الملقاة على عاتق المؤسسة العسكرية، وتعتبر المصادر أن المطلوب، بدل العمل على "فرم" الحقوق، السعي إلى البحث عن وسائل تمويلها بشكل جدي، وتلفت إلى أن هناك الكثير من المصادر القادرة على تأمين ذلك بشكل جيد.
وعلى صعيد متصل، توافق المصادر على أن هناك مخاطر كبيرة قد تنجم عن إقرار السلسلة من دون أن يترافق ذلك مع خطوات إصلاحية ضرورية، لكنها تشدد على أن من يتحمل المسؤولية عن ذلك ليس أصحاب الحقوق، بل المسؤول عن الحالة القائمة في المالية العامة، وتستغرب كيف يجرؤ بعض رؤساء الكتل النيابية على الحديث عن مسؤوليتهم عن ذلك من دون الخوف من المحاسبة القضائية التي من المفترض أن تقصيهم عن مناصبهم بالحد الأدنى في ما لو كانت محاسبتهم قضائياً غير ممكنة.
في المحصلة، ليس من مسؤولية المواطن البحث عن حلول للمشاكل التي تسببت بها الطبقة السياسية، بل هو عليه المطالبة بالحصول على حقوقه كاملة، وعلى البعض أن يتذكر أن الدولة اللبنانية من دون موازنة عامة منذ سنوات بسبب غياب الأرقام الواضحة بدل الحديث عن أن الأوضاع المالية لا تسمح بإقرار سلسلة الرتب والرواتب.