ماذا ينتظر القادة الموارنة للاتفاق على مرشح مقبول إن لم يكن من الجميع فأقله من غالبية القوى السياسية الأساسية في البلاد، خصوصاً بعدما تأكدوا أن لا نواب قوى 8 آذار ينتخبون مرشحاً من قوى 14 آذار ولا نواب قوى 14 آذار ينتخبون مرشحاً من 8 آذار. أفليس من المصلحة الوطنية إجراء اتصالات ومشاورات مع المرجعيات السياسية والدينية والقيادات الحزبية للاتفاق على المرشح المقبول قبل أن تدخل البلاد خطر الفراغ ويتولى الخارج فرض مرشح وإن لم يكن مقبولاً؟

لقد تحملت البلاد سلبيات الخلاف على تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، ولا سيما اقتصادياً، مدة 11 شهراً لأن كل طرف ظل متمسكاً بشروطه ولم يتراجع عنها إلاّ بعد تدخّل خارجي ضاغط، فتألفت الحكومة بسحر ساحر! فهل ينبغي أن يتكرّر الشيء نفسه والخطأ نفسه في الانتخابات الرئاسية فيذعن كل الاطراف فإرادة الخارج بعد فراغ مخيف يلحق الضرر بالأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية؟
لقد باشر الرئيس أمين الجميل اتصالاته بالقيادات والمرجعيات على اختلافها في محاولة للتوصل إلى حلّ ينقذ لبنان والجمعورية اللبنانية، ومن المستحسن أن يلاقيه في هذه الاتصالات الرئيس بري والنائب جنبلاط بحيث تلتقي الجهود على تحقيق هذا الانقاذ. وإذا كان للخارج دور في الانتخابات الرئاسية فلماذا تأجيله إلى ما بعد حصول الفراغ المخيف والقاتل ولا يلاقي هذا الخارج منذ الآن هذه القيادات في تحركها توصلاً الى اتفاق على مرشح للرئاسة يكون مقبولاً وضمن المهلة الدستورية وليس تحت ضغط الفراغ وما يلحقه من ضرر؟ فكما تخلّت قوى 8 آذار عن شروطها توصلاً الى تشكيل الحكومة، وتخلت قوى 14 آذار عن شروطها أيضاً للغاية نفسها، فالمطلوب التخلي عن الشروط المعرقلة للاتفاق على مرشح مقبول إن لم يكن من هذه القوى فمن خارجها، وهو ما حصل عندما وقع الخيار على العماد ميشال سليمان ليكون رئيساً للجمهورية، ولكن بعد إضاعة الوقت وبعد أحداث 7 أيار التي فرضت عقد مؤتمر الدوحة، فلماذا تكرار الخطأ؟ وإذا كان "حزب الله" يشترط للاتفاق على مرشح للرئاسة أن يكون مع المقاومة وان يكون وفياً لها، وكانت قوى 14 آذار ترفض هذا الشرط، فهل يكفي مجرد إعلان أي مرشح موقفاً من المقاومة، وقد شهد الحزب نفسه حصول تغير في المواقف من سلاح الحزب مع تغير الظروف والمعطيات التي تجعل سلاح المقاومة ضرورياً أو غير ضروري؟ وهي الظروف التي جعلت قوى في 14 آذار تتراجع عن مطالبتها بانسحاب مقاتلي الحزب من سوريا شرطاً للمشاركة في الحكومة.
لذلك فإن الاتفاق على مرشح مقبول للرئاسة الأولى يجب ألا يكون مرفقاً بأي شرط من أي جهة، فرئيس الجمهورية لم يعد وحده رأس السلطة التنفيذية بعد اتفاق الطائف، بل ان هذه السلطة انتقلت إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، وسواء اتخذ رئيس الجمهورية موقفاً ايجابياً من المقاومة او سلبياً قبل انتخابه فلا ترجمة عملية لذلك انما الترجمة تكون في البيان الوزاري الذي تنال الحكومة الثقة على أساسه، وعند تشكيل الحكومة يحق لكل مَنْ يريد المشاركة فيها أن يطرح مطالبه أو شروطه، فإما يؤخذ بها فيشارك، وإما لا يؤخذ بها فلا يشارك ويعارض.
إن على القيادات الوطنية والمخلصة للبنان أن تبدأ منذ الآن اتصالات للاتفاق على مرشح مقبول ليظل لبنان محافظاً على استقراره السياسي والأمني والاقتصادي وهو من أولويات الناس ومن أولويات الدول الشقيقة والصديقة له. وعندما يتوصل الزعماء اللبنانيون إلى اتفاق على هذا المرشح فلا تبقى حاجة لتدخل أي خارج يكون تدخله خدمة لمصالحه أولاً، ولا يجب على اي زعيم التجاوب مع هذا الخارج بل عليه أن يضع مصلحة لبنان فوق كل مصلحة. وإذا كان موضوع السلاح يهم "حزب الله" فليكن هذا الموضوع مطروحاً عند تشكيل الحكومة وليس عند انتخاب رئيس الجمهورية لأنه رئيس كل لبنان وكل اللبنانيين وليس أن يكون له موقف يرضي طرفاً من دون آخر. فعسى أن يمهد الرئيس الجميل بجولته على المرجعيات الطريق للاتفاق على مرشح مقبول وتكون للرئيس بري وللنائب جنبلاط اتصالات أيضاً مكمّلة لاتصالات الرئيس الجميّل كي تتكلّل بالنجاح.