العالم والحالم .. يبحث دائما عن نفسه .. تعلم الشعر والبلاغة في صغره ..فأطاعته الكلمات وكتب في الشعر والنثر وكتب في الفلسفة .. رسالته هي الحب ويقول : وجد الإنسان لكي يحب.
تجارب عديدة صاغت تجربته في الشعر  فامتلك تجربة جديدة خاصة جعلت من كتاباته أيقونة أدبية ولغوية رائدة ..
إنه الشاعر نعيم تلحوق ..
التقينا بالشاعر نعيم تلحوق وكان أكثر من حوار  ...

في الحقيقة وأنا أعدّ أسئلتي وجدت نفسي أمام بحر .. وأمام أكثر من ديوان وقصيدة ..وأمام أكثر من لغة .. فاحترت من أين أبدا لكنني قررت أن أبدأ منك أنت .. نعيم تلحوق
نعيم تلحوق نعرفه بالشاعر الكبير ونعرفه في أكثر من ديوان وأكثر من قصيدة  .. فكيف يعرفنا هو عن نفسه  

نعيم تلحوق كائن يبحث عن نفسه وقد بدأت الاسئلة تحوم حولي منذ الطفولة , إبن العشر سنوات يتعلم البلاغة من أبيه الذي كان يدلني على الكبير والصغير ففهمت أن هاتين العبارتين ليسست قياسا رقميا إنما هي صفات تحكم آلية العمل الفني لدي والذي تشكل بعد وقت , ويبقى أني أدركت نفسي فأصررت أن لا اطلب شيئا من أحد كي لا أطالب بعد حين فقرأت الفلسفة في الثانية عشرة من عمري حتى سن السابعة عشرة بدأت بالأدب ما حداني أن أكبر قبل أواني وتلمست الطريق حينها ونزلت إلى بيروت واخذت أصارع رؤساء الصحف والمجلات كي أنشر مقالاتي المدنية وقصائدي ,كنت أظن أنني الكائن الوحيد في هذا الكوكب الذي يعرف ما لا يُعرف حتى استدركني أخر من المدينة وسألني من أنت؟ فرحت من هذه المعادلة أبني وجها لي كي يكون لي وظيفة في الحياة فكانت وظيفتي البحث الدائم عن نفسي وحتى الآن لم أزل أبحث عن نفسي .

لكل شاعر رسالة ما هي رسالة الاستاذ نعيم تلحوق كشاعر  ؟
جل ما أبتغيه في البحث عن نفسي أن أجد معناي حتى اللحظة لم اكتشف المعنى وليس المعنى العام بالمطلق لكن المعنى الفردي للأشياء لكني ما زلت مقتنعا بأن لكل شيء وظيفة وهذه الوظيفة لها مبتغى يتشكل معها عنصر المعنى , سؤال وجودي كبير ذهبت فيه إلى سائر العلوم إلى الفيزياء والرياضيات والكيمياء والبيولوجي والسوسيولوجي لكي أقطف لغة تسألني لماذا الإنسان أصلا في هذا العالم ؟ فانتبهت إلى مسألة واحدة وجعلتها مركزية بالنسبة لي هذه المسألة تقول : أن الانسان وجد لكي يحب ويكون لديه قضية كبيرة يعمل لها . أنا كائن لا أكره أحدا ولم أعرف معنى الحقد وتربيت على نزعة الحلم أن أبقى دائما العالم الحالم وهذه الخاصية دفعت بموهبتي التي لا أعرف من أين أتت إلى استنكار لكل ما يدور حولي أي أكون متمردا لا ثوريا .
ألا يحب شاعرنا الثورات  ؟
أنا مع التمرد لا مع الثورة لأن الثوري هو كلب يطيح السلطة ليجلس مكانها ,العلاقة مع الثورة بالنسبة لي هي علاقة سلطة , أما المتمرد فهو في قلب السلطة وينتقد نفسه ويكون لديه الجرأة ليقول : أنا أستقيل وأنا اخطأت وأنا فاسد وانا لا أصلح أن أكون في هذا المكان , المتمرد الذي يتكلم عن عيبه أما الثوري فهو الذي يتكلم عن عيب الآخرين .

تجربتكم الشعرية أصبحت غنية فما هي الروافد التي صنعت هذه التجربة ؟
إنطلاقا من تجربتي الفلسفية والصوفية التي بدأت في سن مبكرة إلى قراءات الأدب اليوناني والفارسي والغربي إلى حد ما أحسست بأني غريب على حداثتي التي أنتمي إليها رغم أنها سميت عصر النهضة ,لقد كان المعري أحد الذين علموني الإيجاز في لزوم ما لا يلزم وذهبت إلى مفهوم حداثوي عند عبد القاهر الجرجاني في سلوك نظام النص وفق ما ترتاح إليه النفس من التعليل والتفسير وخضت مع جبران نزعة التمرد ومع خليل حاوي نزعة الموقف ومع كمال خير بك لغة الاستشهاد ومع ادونيس فكرة التروي والهدوء والحكمة ,كل ذلك أبعدني عن فخر المتنبي وتشاؤم إبن الرومي وخمريات ابو النواس حتى ظننت أني أقع فيما لا يقع فكنت أنهل من النص المبدع أكثر من أن أنهل من إسم الشاعر أو الكاتب وهذا ما جعلني أسير رحلتي التي لم تزل تواكب حركتها .

نعيم تلحوق أصبح لديه تجربته الخاصة في الشعر وقد تعددت اليوم كتابات الشعر ومذاهبه فإلى أي شعر ينتمي ولأي شعر ينتصر الاستاذ نعيم بين الشعر الكلاسيكي القديم والشعر الحديث وبين العامية اللبنانية والفصحى وهل يمكنك أن تعتبر أن الشعر العربي خرج من إطار التفعيلة إلى مداه الأرحب والأوسع ؟
أنا مع الشعر أيا كانت بنائيته فلله أسماء كثر وللشعر كذلك ,حين كنت صغيرا كان اهتمامي الشعر الكلاسيكي والشعر الزجلي ثم كتبت التفعيلة والنثر معا وأرسيت أخيرا على النثر الذي يمتلك إيقاعه الخاص وابتكرت قصيدة مزيجا بين التفعيلة والنثر وهذا ما ميز الأدب لدي حين يقول كثيرون أن نعيم تلحوق لا يشبه إلا نفسه لذا أنا مع الجميل في الأدب سواء كان كلاسيكيا أو عاموديا أو تفعيلة أو نثرا أو محكيا , الشعر هو الشعر وكفى .

نعيم تلحوق الناقد ماذا يقول لنفسه ؟
أقول لنعيم الحالم : قليلا من الحظ ولنعيم العالم : كثيرا من الجهد وللإثنين معا بعض الهدوء .

برأيكم هل تنصف الدولة اللبنانية ومؤسساتها المعنية الشاعر والكاتب البناني ؟
النظام اللبناني برمته لم يفكر في الثقافة أصلا فهو استحى من نفسه حين علم بعد اتفاق الطائف أن في الصومال وجيبوتي وزارة للثقافة فاستحدث وزارتي الثقافة والبيئة , ووزارة الثقافة اللبنانية هي مشروع رعوي أكثر منه مشروع داعم للأدباء والكتاب والموازنة قليلة جدا قياسا على الكيان اللبناني بمثقفيه وأدبائه وشعرائه فالعبرة هي في السؤال لماذا تدفع الدولة اللبنانية موازنات ضخمة على وزارتي الدفاع والداخلية ولا تهتم بوزارتي الثقافة والتربية ؟ ألا يجب أن يكون العكس هو الصحيح ؟ بناء الإنسان يكون بدءا من رأسه ولا يأتي من قدميه ,فلا يقتصر دور وزارة الثقافة سوى على دعم قليل من الكتاب والرسامين والسينمائيين والمسرحيين وبعض الجمعيات الثقافية ,بالتأكيد لا يوجد أي إنصاف .

هل ترون من ضرورة لايجاد إطار ثقافي جامع لكل الادباء والشعراء في ظل اختفاء او انكفاء اتحاد الكتاب اللبنانيين ؟
أنا مع أي تجمع ثقافي كبير يضم كل الأدباء والشعراء والمبدعين خاصة في تجمع واحد لأن اتحاد الكتاب اللبنانيين يجمع في طياته مبدعين وغير مبدعين وكنت دائما مع ضرورة الفصل بين استاذ الرياضيات الذي يؤلف كتابا في الرياضيات والكيمياء وفن الطبخ والأبراج عن الاديب والشاعر والروائي وكاتب القصة القصيرة وأنا مع تجمع لهؤلاء فقط فلا تبقى كلمة كتّاب مفتوحة على كل من كتب في شأن غير إبداعي .

أشتاقُ لوطنٍ ترتاحُ فيه عيوني ،ولقلبٍ يكسفُ نورَهُ عني ،ليختبيءَ جنوني ،ما عدتُ أعرفُ أكثرَ من ؛أني قتيلٌ ، والسماء ظنوني ألا يرتاح الشاعر في وطنه ؟
هناك حديث شريف يقول : لله كنوز تحت العرش مفاتيحها ألسنة الشعراء .  الشاعر إنسان كوني يبحث عن نفسه وعن معناه في هذا العالم فأينما وجد عزته وكرامته وجد وطنه وأينما وجد حبه ورغبته وجد حبيبته وأينما أحس نفسه عاشقا كبيرا وجد حلمه وأنا لا يمكنني أن أشعر نفسي خارج وطني لأني قتيل هواه لكني أشتاق لوطن ليس غيري يراه .

"شهوة القيامة " الإصدار  الذي تناوله كثيرون بالنقد والتحليل ماذا يقول عنه صاحبه الاستاذ نعيم تلحوق ؟
شهوة القيامة هي المجموعة العاشرة التي ختمت بها العبارة الشعرية التالية التي بدأ في العام 2001 : " أظنه وحدي يغني بوحا يرقص كفرا لأن جسدها شهوة القيامة "
وقد أغلقت المجموعة الثانية التي تبدأ بـ هو  وتنتهي بـ هي بعد أن كنت قد ختمت المجموعة الاولى التي بدأت في العام 1985 " بقيامة العدم هي القصيدة الاخيرة لكن ليس الآن وطن الرماد هو الاخير " والتي بدأت بـ هي وانتهت بـ هو وهي لعبة تضمينية للمعنى الصوفي أو المعنى الرمزي لحركة الصوفية التي بدأت مع الجنيد والحلاج وإبن عربي وإبن الفارض والساهرودي وفريد الدين العطار والشيرازي إضافة إلى ظاعور  .
لقد لممت المعطى الحركي للعبة الوجود بعشرة أعمال لها وظيفة الربط بين الخالق والمخلوق بين الوجود والعدم بين الوقت والزمن فحملت تجربة شهوة القيامة كل لحظات التفاعل بين الشرق والغرب خلال زيارتي الى المانيا وباريس وكانت تجربة يرقص كفرا التي صدرت في العام 2008 وليدة رحلتي الى الصين والتي اكتشفت فيها عالما لا تحسبهم على الخارطة الدينية والسياسية والفكرية لكنهم هم كل الدين وكل السياسة في العالم

حوار : كاظم عكر