لم تفلح محاولات الكنيسة المارونية في جمع أفرقاء الطائفة تحت مظلة الكرسيّ البطريركي ووفق ثوابت مسيحية تعيد لهم أمجاداً ضاعت نتيجة التملك للدولة ومصادرة السلطة , رغم الحاجة الملحة لوحدة متماسكة ولو مصطنعة لمواجهة تحديات مهددة للوجود المسيحي في الشرق , وملبية لطموحات داخلية تتماشى مع الحالات الطائفية الاسلامية الملتفة على مذاهبها بطريقة عمياء تكاد أن لا ترى أحداً من خارج اصطفافاتها الحادة والقاتلة . حتى أن البطرك الجديد خلع ثوب الرهبنة الحزبية ولبس طيلساناً فضفاضاً ليرضي قومه المختلفين فلا يكون طرفاً مقابل طرف فيعيد بذلك تجربة سلفه صفير بابا الموارنة في لبنان , والمتمكن من رعاية لبنانيين أكثر بكثير من ادارة الرعية المتفككة لصالح مصالح سياسية لم تستطع الكنيسة توفيرها لهم . تبدو الأطراف الرئيسية في الشارع الماروني منقادة لنزّعات شخصانية أكثر مما هي نزعات طائفية حيث يبرز التيّار الوطني الحرّ بهيئة الجنرال ميشال عون كطموح دائم ومستمر نحو رئاسة يراها قريبة كلما تمكّن حزب الله من الاطباق على مؤسّسات الدولة, ومهما بلغ من العُمر عتيّا , ويحاول حزب القوات تلميع صورته المشوّهة مسيحيّاً من خلال التمايز السياسي في لحظات حرجة يزهد فيها لصالح جمهور ماروني مستاء من ذيلية زعمائه لزعيميّ الطائفتين السُنية والشيعية وقد فقد رهانه على مُخلص سياسي يخرج الموارنة من عنق زجاجة الطائف . في حين تتكيّف الكتائب مع التوازنات الداخلية راضية بالدور الذي هي فيه كحصة سياسية وزارية ونيابية ثبّتت الكتائب كجهة من الجهات المارونية  المُتزعمة رغم تواضع امكانيّاتها وحدود جمهورها التقليدي وكان من الممكن أن تتطور لولا تحكّم المصالح الضيقة بتصريف أفعالها خاصة وأنها تملك قيادة فتيّة استثنائية مؤهلة لترتيب البيت الكتائبي وفق قواعد وطنية لا وفق ركائز عائلية , وقدّ أسهم النائب سامي الجميل في فتح مخارج للكتائب لمواجهة أزماتها المختلفة من خلال رؤية سياسية ناضجة وان كانت متجاوزة لحدود الواقع ولتوازناته الداخلية والاقليمية . من هنا يبدو الاستحقاق الرئاسي , وعلى ضؤ الشرذمة  المارونية السلبية , مجالاً وبعداً مفتوحاً على المعادلة الجديدة  والمتمثلة بالدولتين الايرانية والسعودية, والمتحكمة بالوضع اللبناني ووفق ارادتيّهما وغلبتيّهما سواء في سورية أو في رقعة أخرى ودون أن يكون للطائفة المعنية برئاسة الجمهورية أيّ دور يذكر في الترشيح والاختيار والتعيين فهل سيندفع المسيحيّون مجدداّ خلف حزب الصليب بحثاً عن دورهم المفقود ؟ أعتقد أن الطوائف المُستقوية  ستدفع بالمسيحيين عموماً وبالموارنة خصوصاً الى ادراك دورهم الطليعي في شرق لا يتمتّعون فيه بأيّ أهلية سياسية تُذكر الاّ في لبنان. لهذا لن يسمح المسيحيون اللبنانيّون بدور شبيه أو مماثل لدور المسيحيين في الشرق ,وكما كان , وكما هو في سوريا والعراق ومصر ودول عربية أخرى ,وان كانت الظروف الموضوعية تعمل بطرق مخالفة لمصالحهم ومهما طالت السنون .