بات الارهاب عجين الجميع , وخُبز الأنظمة والمعارضة , فالكل يأكل من لحم الاسلام الذي ينتسب اليه هؤلاء الذين يفجرون حُبهم لله من حيث يعصى . جهاديون أضلوا الطريق , أو ضُللوا , بعد أن استخدموا في معارك لا تُلبي الاّ مصالح دول تعمل على تضخيم دورها الاقليمي في منطقة أوسطية, كل من لعب فيها خسر وانحسر . ان محاولة المُقاربة للارهاب الوافد من النصّ الديني يدفعنا الى تجاوز ما يُثار حول الجماعات الأصولية والسلفية والتطرفية , من تهم بالعمالة لصالح الغرب أو الحركة الصهيونية , من قبل الأنظمة والنخب السلطوية , وهذا ما يجعلنا نتلمس الخصوصية الاسلامية التي أتاحت لأطراف حزبية ممارسة العنف بأبشع الوسائل والأدوات . في التجربة, كانت حرب الردّة أوّل استخدامات السيف لتحسين شروط سلطة الخلافة , وبدايات العمل على الامعان في رقاب النّاس حتى يستقيم الاسلام الوليد , وحتى تنتظم شؤون الدولة الفتيّة, لأن في تأديب الجماعة استقامة لسلطة الخليفة , ودفع بالاعتراض الى زوايا ضيّقة , وتحصين لسور السلطنة من الاعتراض على علو, أو سلوك ,ومسلك اعتاد السلطان على سلكه . بعد الردّة , تابع المسلمون حروبهم الداخلية , وكان لكل خليفة نصيب في سهم من أسنة الرماح , أو في طعنة سيف . وحتى لا ندخل الى جحور التفاصيل فتلدغنا أفاعي التاريخ , يمكننا التوقف عند محطّات أساسية شكّلت الفضاء الأوسع للارهاب داخل منظومة الأمّة , ويمكن استحضار أنموذج الخوارج الذين خرجوا عن وعلى امامهم علي بن أبي طالب , وارتكبوا الفواحش في الاثم والقتل بحقّ المسلمين . وما زالت طعناتهم حافرة  في خاصرة التاريخ الاسلامي , وعميقة في تُراب التُراث الديني , وكانت الخوارج جماعة مشهود لها بالتقوى والجهاد في سبيل الله , وكانوا قُرّاء المساجد وسُكانها , وفوارس الفتوحات . وفي اللحظة التي يُعرف فيها الحق من الباطل مال الخوارج ميلة الرجل  الواحد صوب شيطان الباطل , وخاضوا حروباً ضروساً ضدّ امام زمانهم , ونثروا لحمهم ولحم المسلمين على أديم النهروان , وأكملوا دورهم المشبوه الى ما بعد وفاة الامام علي (ع) . كانت كربلاء الفاجعة الكُبرى , والمشهد الذي شهد ارهابيين من نوع آخر , سفكة دماء ونحر وسبيّ وذبح للرضّع والأطفال . آنذاك , لم تكن الصهيونية مولودة كيّ تُجنّد ابن ملجم وابن سعد ويزيد بن معاوية . خدمة للعنف وللنيّل من الحُسين وأهل بيته . لقد ولد الجهاديّون الأفغانيّون من رحم نظام نجيب الله الشيوعي , وأكثر الشبكات الجهادية الممارسة للعنف منشقّة عن جماعة الاخوان المسلمين , وقدّ تأسّسوا نتيجة لفواعل السلطة المصرية المُستبدّة .من هنا فان موجات الارهاب والتي تضرب العراق , وهي في احدى نواتها الكبرى ابنة البعث أيّ أكثر الأنظمة العربية استبداداً . ان في تفشي مرضى الارهاب وتحوله الى فيروس مُعد للشعوب العربية والاسلامية ناتج عن الانقسام السياسي الحاصل , والذي ارتدى معطف الطوائف , وطوّق نفسه بسياسات المذاهب , وهذا ما ساعده , وأتاح له فرص الانتقال بحرية وسرعة فائقة كأنّه وجد مكاناً مفتوحاً في بلاد غارقة داخل مستنقع سياسي مأزوم . ان عدم نجاح العملية السياسية في العراق, وفشل المستقبل السياسي بفعل الحاضر وأزماته نتيجة لحصحصت ثروات العراق من قبل ملل ونحل وقبائل وشيع وأحزاب , واتخاذ التأزّم صفة المذهبية المُكفرة قدّ جعل الارهاب ناشطاً في العراق ، وكذلك في سورية التي لم تستفق يوماً على دعوات داعية الى  الاصلاح في بُنية الدولة , ولم تهضم قيادتها بعد مقولة أنّ السلطة تتّسع للجميع . ان لبنان المنقسم على نفسه وعلى سورية وعلى عناوين أخرى , واعطاء البعد الطائفي لهذا الانقسام قدّ سهّل وصول الارهاب اليه , وأن ينشط بطريقة انتحارية جعلت لبنان في مهب الرياح الانتحارية . ان جميع اللبنانيين يدينون الارهاب ويدعون  الى مواجهة . في حين أن الارهاب الوافد والحاكم ما كان ليكون , أو ليتحرك براحة تامّة لولا هذا الانقسام السياسي المُسرف في دهورة الامور في لبنان الى الحدّ الذي يستدعي قرع طبول الحرب , وكان الارهاب أوّل النداءات لها وأوّل الضيوف لنارها المرتقبة . اذاً نحن صنعنا الارهاب ووصفته جاهزة في تاريخنا المزدحم بسير جماعات أشدَ مضاضة وفظاعة من النصرة وداعش ومن أمهم القاعدة  . لهذا علينا مواجهة الارهاب بالقضاء عل أسبابه , وذلك من خلال حملة تثقيفية تطال البرامج كافة من التربية والتعليم الى دور العبادة والاعلام المرئي والمسموع والنُخب السلطوية كافة من أنظمة جكم  الى أحزاب ومعارضات ومؤسسات أهلية , وعلينا فتح ورش عمل تُعزّزمن ثقافة السلام وتربي التنشئة الجديدة عليه وكل من خلال دوره وكل من خلال امكانيّاته لأن الارهاب أصبح وراء كل باب وعلينا الانتقال سريعاً من الصيغ التي تعتمد أنموذج الاستبداد الى الصيغ التي تعتمد المشاركة السياسية لأن الانظمة الاستبدادية غير قادرة على الاستمرار , وما عادت الاحزاب المستبدّة بقادرة أيضاً على الاستمرار دون احداث تغيّرات بنيوية في هياكلها . كانت ثورات الربيع العربي دلالة واضحة على حاجة المجتمعات في الشرق الى تحسين شروطها الاجتماعية والسياسية  . ان سياسة العصا وسواء أكانت موجودة في بنية السلطة أو في بنية المجتمع , لن تفضي الاّ الى الارهاب , وما التنظيمات والتشكيلات وجماعات اللحى الجهادية الاّ مظهر من مظاهر السياسات المستبدة , وهي تضرب بنفس العصا لأنّها ابنة هذه التجربة التي سادت في العالم العربي منذ أكثر من أربعين سنة .