نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في دفع روسيا الى الجنون الأمني من خلال استفزازها المتزايد لها و بطريقة أوهنت من دور وموقع روسيا الدولي بعد أن توعدتها بالعقوبة الصارمة اذا ما تدخلت روسيا عسكرياً في الشأن الأوكراني . وتابع الأوربيون الموقف الأمريكي من روسيا بإدانة   ملوحة بإخراج روسيا من البيئة الأوروبية كما كانت في عهد الاتحاد السوفياتي . اذاً أوكرانيا لم تعد بعداً داخلياً يدفع باتجاه تركيب سلطة مناوئة لروسيا المتحكمة برقبة الدولة الاوكرانية وتعبيراً عن ربيع أوكراني يصب في مصلحة الشعب التوّاق الى التغيير والتخلّص من نصف دكتاتور مصنع في روسيا .وباتت مجالاً لتصفية حسابات دولية تعيد روسيا الى الوهلة الأولى من سقوط الاتحاد السوفياتي كدولة فاقدة للأوزان الاستراتيجية . ربما يندفع بوتين تلميذ المدرسة الأمنية والعقلية القيصرية الى تأكيد عضلاته الدولية فيغزو الجارة الأوكرانية ويتحول الى محتل تتخذ بحقه رزمة عقوبات أمريكية وأوروبية وتنشأ بوجهه مقاومة أوكرانية مدعومة من الغرب , وتكون روسيا بذلك قد أعطت الولايات المتحدة فرصة ثمينة لتحويل روسيا من دولة ذي مكانة دولية ولاعبة مؤثرة في أنشطة سياسية وعسكرية في العالم الى دولة خارجة عن القانون الدولي ومطالبة باحترام رغبة الشعب في تحقيق مصيره . من هنا ثمّة منعطف تاريخي في حياة روسيا الدولية في الأزمة الأوكرانية فإمّا تنجح في حفظ مستقبلها السياسي وإمّا تفشل وتنهي دورها المتقدّم في أكثر من منطقة باعتبارها منافس تجاري لأمريكا وأوروبا في مجالات الأسلحة وفي اعتماد دول على روسيا كبديل دولي  محدود عن المرجعية الأمريكية بعد أن تطورت سلباً علاقاتها بها نتيجة خصومة مواقف في الخيارات الغير منسجمة مع الرؤية الأمريكية . اذاً نحن أمام تحدي كبير وأمام منازلة حقيقية بين جهتين دوليتين الأولى ممثلة بالولايات المتحدة ودول أوروبا والثانية روسيا ومعها الصين الشعبية .فهل نشهد دراما الحرب المدمرة للإرادة الروسية ؟ أم أن الروس قدّ فهموا نيّة الغرب وقرّر القيصر أن لا يكون صيداً سهلاً للصيّاد الأمريكي ؟ اجابة برسم الأحداث الأوكرانية المتلاحقة , ومن جزيرة القرم تبدو الاشارة أوضح .