حسناً فعل السيد مقتدى الصدر سليل العائلة الصدرية والمرجعية النجفية المتصلة بالتاريخ الشيعي في العراق ولبنان . عندما قرر مجدداً الاعتزال من السياسة بعد مسيرة مليئة بالأحداث والجراح المثخنة , وبعد خلافات مذهبية وصراع مع حزب السيد المالكي تحوَل الى حرب داخلية حصدت أرواح عراقيين شيعة وبرصاص وصواريخ ودبابات شيعية . اذاً استقال من العنف السياسي وخرج من دائرة القتل وسفك الدماء تلبية لأهداف لم يتحقق منها الاَ زيادة  في أعداد الموتى . منذ سقوط صدَام حسين والسيد الصدر يوغل في في العنف حتى تبيّن له أن العنف لا يحل مشكلة ولايحقق شيئًا  وانما هو عنف يستولد عنفاً مشابهاً أو أكثر تشويهاً للعراق والعراقيين . خارج السلطة وداخلها عنَف وسايس السيد الصدر واعترض وحاول الانتقال من تيَار مذهبي الى وسيط سياسي وطني يجترح حلولاً لأزمات السلطة , ولكنه لم يفلح , وحاول أن يخرج من المشهد العراقي الى لعب دور على خشبة عربية وكان ممثلاً فاشلاً لأن التمثيل يحتاج الى شهادة دولة من الدول الفاعلة والمؤثرة في المنطقة وهو يفتقد الى هوية جهوية تسهل له الدور والممر . فاجأ السيَد مقتدى الصدر الجميع عندما أعلن أنسحابه من الحياة السياسية وتخليه عن مُتع العمل السياسي من الجمهور المكبر والمُصفق الى الى الحزب والتيار والحاشية التي تجعل من سيَد التيَار والحزب والحركة والجهة التنظيمية صنماً ليس من قريش ولكن من النجف وأمثالها , والمواكب السيَارة وزحمة المرافقين والخدم والحشم والبيوت المتعددة لاعتبارات أمنية اضافة الى الثروات الهائلة والحسابات البنكية والأرصدة المتخمة داخل الوطني وخارجه . لقد افتدى مقتدى نفسه وقدَم في استقالته آخرته على دنياه في لحظة حسَاسة من تاريخ العراق حيث الذبح يومياً يطال العراقيين وتحت سيل من الشعارات والفتاوى حتى بات السيف وحده من يحكم العراق وهو مسلط على جميع العراقيين . هنالك من يوظف استقالة الصدر في النتيجة الانتخابية بحيث أنَ المالكي قدّ ربح سباق الانتخابات قبل حصولها, ويعتبر أن مقتدى رضخ للضغط الايراني مجدداً في تسهيل مرور المالكي مرور الكرام الى رئاسة الحكومة , وأن المسألة لعبة فارسية يتقنها الأمن الايراني في العراق نتيجة سيطرته الكاملة على العراق, وعلى الأحزاب الشيعية تحديداً . أنا لا أثق بهذا القول وأعتقد أن السيد الصدر لا يرضخ لضغوط نتيجة لطبع معروف فيه , وهو قدّ قرر ما قرر نتيجة لقناعات في استحالة تصليح الوضع العراقي واستفحال أزماته السياسية والأمنية وعدم قدرته على ايقاف عجلات الموت في العراق في ظل توازنات شيعية دقيقة لا يحتمل معها الارشاد والتوعية . ربما تكشف الأيام القادمة  عن أسباب أخرى حول تنحي مقتدى عن السياسة أو أن تبدي  ظروفاً جديدة تدفع بالصدر الى معاودة أنشطته المباشرة . ما يهمنا هنا هو التنويه بجرأة السيد مقتدى الصدر على قول مايراه من ظلم سلطوي , وقدرته على اتخاذ قرار يلغي فيه امتيازات حزبية وسلطوية .حبذا لو يقتدي كل رجال الدين العاملين في السياسة بمقتدى الصدر للدلالة على أنهم رجال دين وليسوا رجال دنيا .