الصدمة الكبيرة التي تركتها عملية تشكيل الحكومة وبالصورة التي خرجت بها علينا وما سببته هذه الولادة القيصرية بعد طول عسر , مما خلفت من حالة استنكارية ترافقت مع امتعاض شديد داخل فريق 8 اذار لم يكن جميل السيد الا احدى تجليات حجم هذه الصدمة ، مما فرض على الكثير من المراقبين فضلا عن جمهور حزب الله المفجوع والغاضب يتسمّرون امام شاشات التلفزيون بانتظار ما سيقوله امين عام حزب الله للتعرف على حقيقة الموقف ، حيث ذهبت توقعات بعض المدهوشين بان السيد سوف يقلب الطاولة من جديد رأسا على عقب ، او على اقل تقدير سوف يشرح لهم ما جرى واين تكمن القطبة المخفية التي تحيل ما يعتقدونه هزيمة سياسية ليحولها صاحب " فصل الخطاب " بسحر بيانه الى نصر اضافي , فيعيد الروح الى العروق بعد ان تجمدت في الحناجر, الا ان خطاب سماحة السيد هذه المرة لم يكن بحجم الصدمة ، وجاءت كلمته المتلفزة وبدون جمهور هذه المرة لضرورات فرضها الواقع الامني فيزيد على جو الاحباط احباطا وبدا الحديث عن تشكيل الحكومة وتضمينها للاسماء " الاستفزازية " وتخلي الحزب عن وزارات لطالما اعتبرت خط احمر بالنسبة اليه , وجاء في مقدمة الكلمة استحضار فلسطين المتروكة جنوبا عند القواعد المتجهة شرقا بكل جوارحها ومشاعرها المتهيجة مذهبيا لدرجة لم يبق لفلسطين اي حيز ، فكاد التذكير بها اقرب الى محاكاة للذاكرة والتاريخ منه الى الكلام عن الاستراتيجيا ، فحضر بدل منها وبوقع اشدّ حضورا بما لا يقاس القتال في سوريا مع التركيز هذه المرة عن خطر الارهاب والتكفيريين ، الا ان ما حمله الخطاب لاهل الضاحية ومناطق نفوذ الحزب لم يتعد وعد بالنصر قادم من بعيد ولم تظهر ملامحه بعد , فكان لا بد من الطلب بالتحلي بالصبر والتحمّل بما يعني ان لا قرارات جديدة توحي بالاطمئنان وعودة الحياة الى تلك المناطق التي تنازع ، مع محاولة ضعيفة لرمي المسؤولية هذه المرة " بمحاربة الارهاب " وقذف كرة النار الى احضان خصومه السياسيين في وزاراتهم الجديدة كمحاولة للهروب الى الامام بطريقة ذكرتنا مرة اخرى بالدعوة التي اطلقها سماحته عندما دعى المقاتلين الذين يريدون النزال بالتوجه الى سوريا ، متناسيا مرة ثانية ان المحاربة وكيفيتها لا تكون من خلال وجهة نظر يمكن فرضها الى الطرف الاخر , فمن قال ان الحكومة الجديدة مثلا لن تكون اجندتها في محاربة الارهاب انما يكون عبر استبعاده عن الداخل اللبناني وهذا يستدعي اول الامر الطلب من حزب الله سحب مقاتليه من سوريا ، خاصة ان الفريق الاخر انما يعتبر ان اشكالية مشاركة الحزب بالقتال الى جانب بشار الاسد فضلا عن اعتبارها السبب الاساس في استدراج الارهاب الى ديارنا لا تحظى بأي شرعية قانونية فلا يحق لحزب لبناني ارسال مقاتلين الى خارج الحدود وخارج الاطر الدستورية هذا من حيث المبدأ وبغض النظر عن التبعات , متناسيا سماحة السيد ايضا ان الفريق الاخر يرى بارهاب نظام بشار الاسد ما هو افظع من بعض المجموعات الارهابية والتي يتكفل برأيهم الجيش السوري الحر بقتالهم كما يحدث في الشمال السوري منذ فترة ، وبالتالي فالتخوف المفترض من قبل السيد عن استلام الارهابيين للسلطة في سوريا كمقدمة لتشكيل خطر على لبنان هو خطر وهمي لا وجود له في اذهان الشريك الجديد ، بل العكس هو الصحيح فنظام الاسد واحتلاله للبنان طيلة 30 سنة وامكانية تكرار تلك التجربة المريرة هو التخوف الحقيقي حال انتصار هذا النظام , في المحصلة ان خطاب سماحة السيد الاخير كان من المرات القليلة التي فشل في احداث تحول عند جمهوره ولم يكن بحجم المرحلة وكما كان مرجوا منه من قبل متتبعيه . وبالتاكيد لا يمكن تصنيفه بخانة ,, فصل الخطاب.