واحدة من اخطر الافرازات السلبية لنظامنا الطائفي في لبنان تلك التي تجعل من كل طائفة على حدا كيانا شبه مستقل ، تحدد هي وعلى ضوء رؤيتها الخاصة وبما يخدم مصالحها الذاتية ولو على حساب باقي مثيلاتها في الوطن ارتباطاتها بالقوى الإقليمية والدولية ، هذا الواقع المرضي الذي لم يجلب على لبنان منذ نشأته والى الان الا الويلات ، وحال دون استقراره خاصة عندما تلجأ أي طائفة منه الى الاستقواء على باقي مكونات المجتمع اللبناني من الطوائف الأخرى ، مما حول هذا النظام الى رحم دائم لتوليد الازمات والحروب الاهلية ، الا ان ما نعيشه في هذه المرحلة من تاريخنا هو الأخطر على الاطلاق ، فاذا كان الموارنة قد استقووا في مرحلة ما استنادا على فرنسا " الام الحنون " من اجل فرض امتيازات طائفية فهذا انما حصل من ضمن الاطار العام لبنية الدولة ومؤسساتها ومن دون المساس باصل تكوين الكيان اللبناني هذا ان ام نقل ان تلك الامتيازات قد رسخت بالوعي المسيحي أهمية الحفاظ على بنية الدولة التي من خلالها فقط يمكنهم الاستحصال عليها ، مما يعني ان فرنسا قد ساهمت بطريقة او باخرى ولو بأسلوب اعرج على احتضان الأسس الارتكازية لبناء مشروع الدولة اللبنانية ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فقد حرصت فرنسا ان في مرحلة انتدابها للبنان او بعد تشكله ككيان مستقل بالسعي  أولا على تتطوير المجتمع المسيحي وتقدّمه من خلال المدارس والجامعات التي ارتبطت تاريخيا بالارساليات وكانت مطعمة بمعلمين واكاديميين درسوا في أوروبا ، هذه الصروح العلمية التي كانت ممنوعة في باقي المناطق اللبنانية وبقرار متخلف من رجال الدين المسلمين حينها مما جعل استئثار حاملي الشهادات العليا هم من المجتمع المسيحي بشكل عام مما أهلهم لتبوء اعلا المراكز بالدولة واودى التخلف والجهل عند السواد الأعظم من باقي الطوائف لتحويلهم بمحض ارادتهم الى مجرد ايادي عاملة ، وبذلك استحقت فرنسا بجدارة من أبنائها المسيحيين لقب " الام الحنون "  وبمقارنة سريعة الى ما تفعله ايران الان " بأبنائها " وبالخصوص الشيعة منهم ، ولشكل ممارستها لأمومتها عليهم نكاد نجزم وبشكل كبير انها حولتهم الى مجرد ذراع عسكري وامني لها , يستقون على شركائهم بالوطن من خلال سلاحهم وخروجهم عن القانون ، وليس من خلال تفوقهم وتحصيلهم العلمي , واستطاعت ان تنشر بين "أبنائها " ثقافة الشهادة لا ثقافة حملة الشهادات ، وصرنا نسمع بالكثير من أبناء الشيعة قاصدي ايران لا للعلم والتعلم الاكاديمي انما فقط للتدريب والتدرب العسكري ، وحولت الشاب الشيعي المتسرب من مدرسته وجامعته الى مجرد مقاتل يكاد لا يبدع الا بفن القتال ، فلا عجب بعد ذلك من كل هذا التصحّر في المناطق الشيعية من الجامعات او المعاهد التعليمية المدعومة من ايران او غيرها حتى ، ولا عجب ان يتحول المجتمع الشيعي بمعظمه الى مجتمع ريعي غير انتاجي يعتمد بشكل كبير على الإعانات المباشرة ورواتب المقاتلين المجندين لخدمة المشروع الإيراني وبالتالي فلا عجب من العمل الجاد والدؤب لنشر ثقافة قاتلة عنوانها ان قوة الشيعة انما هي حصرا من خلال سلاحهم الإيراني خارج نطاق الدولة ومؤسساتها ، وان بقاءه هو الضمانة لهم والمستند بشكل أساسي على استمرار وهن قوة الدولة وضعفها ، في الختام ان امّا لا تمنح أولادها ولا تمدهم الا بادوات القتل ولا تؤهلهم الا لخوض الحروب نيابة عنها هي حتما ام غير حنونة