لا يخفى على احد ان الكنيسة المارونية كانت رائدة في التزامها القضية اللبنانية على مر العصور ، هذا ما جاء في متن احدى فقرات الوثيقة وهذا ما تؤكده التجربة العملية للكنيسة ، ويشهد عليه البعيد كما القريب ،  ومن هذا المنطلق اكتسبت بكركي بجدارة موقعها الوطني المتقدم , وعلى ضوء هذه الريادة يجب مقاربة الوثيقة الصادرة نهار الأربعاء الفائت من هذا الشهر او أي من الوثائق التي سبقتها ، بحيث سرعان ما تتحول من مجرد وثيقة مكتوبة تحوي على عناوين توصيفية للمرحلة تأخذ طابع التوجيه والارشاد ، ولا تمتلك ذاتيا او اجرائيا أي قوة تسييلية تفرضها لتصبح خارطة طريق عملاتية ، لان هذا ليس من شأن الكنيسة انما هو دور الافرقاء السياسيين , وبالتالي فان عظمة ومتانة هذه الوثيقة انها سرعان ما تتحول الى ما يشبه الميزان الذي على أساسه ووفق زاوية الصعود او الهبوط فيه تقاس درجة الوطنية عند كل الأطراف ،  فوفق هذه المعايير يمكن اعتبار ان سعد الحريري قد نجح بالامتحان وبدرجة ممتاز ، بعد ان سارع بالترحيب بكل ما جاء بالوثيقة وبعد وقت قصير جدا لتلاوتها من قبل البطرك الراعي ، واعتبرها تمثل تطلعات تيار المستقبل ، خاصة بما تضمنهما البندان المتعلقان بحيادية لبنان من جهة ، وبمطالبة الوثيقة لحصر السلاح بأيدي القوى الشرعية من جهة ثانية ،  ولعل هاتين النقطتين كانتا كفيلتين لفهم ردة فعل حزب الله بما هو المعني الأول بهما ، واعتبارهما يصيبان منه مقتلين ، فالحياد يعني رفض مشاركته بالقتال في سوريا ، وحصر السلاح عند القوى الشرعية تعني رفع أي شرعية عن سلاحه  وامام هذا المعطى فلا معنى للحديث عن حاجة الحزب للمزيد من الوقت لدراسة الوثيقة من اجل تبرير حالة الاستشلاء التي تعاطى بها فلم يكن للوثيقة أي ذكر بعد الاجتماع الأسبوعي لكتلة الوفاء للمقاومة ، ولم يصدر الى اللحظة أي تعليق عليها الا بالصمت المطبق ، طبعا هذا لا يعني ان حزب الله رغم انزعاجه الذي لم يبده انه يقف كثيرا عندها ، او انها سوف تشكل له أي احراج حقيقي او عنصر استفزاز له ، لان الحزب قد عودنا بممارسته السياسية انه يعتمد قاعدة ستالين عندما قال له احد القادة الغربيين بان بابا روما غير راض عن سياسته ، فرد ستالين ساخرا : كم دبابة لدى البابا ؟ ،  وانا بدوري أتصور ان نفس هذا الحوار كان دار بين التيار الوطني الحر( حامي حمى المسيحيين )  والمجاري لحزب الله في صمته وبين الحزب ، فيرد هذا الأخير : كم دبابة لدى بكركي ؟