لا شك أن التفجير الإرهابي الأخير في حارة حريك ألقى بثقله على الواقع السياسي اللبناني وأعاد الجميع إلى نقطة انطلاق جديدة قد تؤدي إلى إلغاء أو تأجيل مساعي الرئيس ميشال سليمان في تشكيل حكومة أمر واقع او الحكومة الحيادية دون التوافق مع مكونات الثامن أذار ,وخصوصا حزب الله  ويبدو واضحا من خلال قراءة الواقع السياسي اللبناني بعد التفجير الاخير أن هذا التفجير قلب المعادلات السياسية رأسا على عقب وأعاد خلط الأوراق من جديد وكذلك كرس الانفجار وقائع سياسية وأمنية جديدة لا يمكن تجاوزها في ظل الاحتقان والإنقسام الذي تعاني منه البلاد .
وأمام هذا الواقع تشير المعطيات أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام، جمّدا حتى إشعار آخر، خيار حكومة الأمر الواقع أو الحكومة الحيادية ويبدو أن مرحلة ما بعد التفجير فعلت فعلها في الخوف من دخول البلاد في المزيد من المخاطر السياسية والأمنية .
وقد بدا واضحا أن الموقف الامريكي ومواقف دول أروربية أخرى من بينها دول اليونيفيل يأتي في هذا السياق ايضا حيث قال السفير الامريكي للرئيس سليمان في زيارة خاصة : الإدارة الأميركية مع تأليف حكومة جديدة ولكن الأولوية للحفاظ على الاستقرار، وهذه أولوية المجتمع الدولي كله، وأي خطوة قد تعرّض الاستقرار في لبنان للخطر نفضّل عدم الإقدام عليها»... وأكمل محذراً من أن تؤدي خطوة كهذه إلى وضع «حزب الله» يده على لبنان.. وبالتالي الذهاب نحو طائف جديد.
من جهته قال النائب وليد جنبلاط للرئيس سليمان، في بعبدا، قبل أيام قليلة : حذار الإقدام على خطوة الحكومة الحيادية واستعادة تجربة الرئيس أمين الجميل في نهاية عهده، وشرح جنبلاط ما أسماه «التداعيات الكارثية» على الرئاسة والطائف والبلاد.
ونجح الرئيس نبيه بري في اقناع البطريرك الماروني بشارة الراعي في تغيير موقفه من حكومة الامر الواقع او الحكومة الحيادية وعُلم أن الرئيس بري أوفد الى بكركي في الساعات الأخيرة من العام المنصرم أحد المقربين منه الذي أقنع الراعي بمحاذير الحكومة الإنتقالية فما كان من الأخير إلا أن عبر عن هذا الامر في عظته مطلع العام الحالي , ثم جاء التحذيرعلى لسان المطرانين بولس صياح وسمير مظلوم: لا لحكومة الأمر الواقع لأنها استفزازية.
إلى ذلك أشارت معلومات عدة إلى انطلاق مساع جديدة انطلقت قبل ثلاثة ايام بارادة وعلم رئيس الجمهورية ميشال سليمان وبالتوافق مع الرئيس المكلف تمام سلام "لاعطاء فرصة جديدة لانتاج حكومة جامعة"  وقام لهذه الغاية موفد رئيس الجمهورية الوزير السابق خليل الهراوي بزيارة الرئيس فؤاد السنيورة اول من امس، ثم التقى امس المعاون السياسي للامين العام لـ"حزب الله" حسين خليل. ولم تقتصر الحركة على اتصالات الهراوي، بل ادرج من ضمنها ايضاً لقاء عقد مساء امس بين الرئيس سلام ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط احيط بالسرية، بعدما كان سلام التقى بدوره اول من امس الرئيس السنيورة. كذلك قالت صحيفة النهار ان اتصالات اجريت بين جنبلاط ورئيس مجلس النواب نبيه بري للبحث في صيغة توافقية للحكومة الجديدة واوفد بري الوزير علي حسن خليل للقاء جنبلاط بعد عودة الاخير من تركيا.
وقالت مصادر متابعة ان الرئيسين سليمان وسلام يحضّان جميع الأفرقاء على الخروج من دوامة الشروط والشروط المضادة، وان جنبلاط يضطلع بدور بارز في الدفع نحو هذا الاتجاه، كما انه يجري اطلاع الرئيس بري أولاً بأول على أجواء هذه الحركة التي تهدف الى بلورة مناخ حول حكومة جامعة. ولفتت في هذا السياق، الى ان ثمة اتجاها واضحاً الى استحداث صيغ مختلفة عن الصيغ السابقة مشيرة الى ان حظوظ هذا المسعى تبدو معقولة وينطبق عليها القول ان "الحل قد يكون مغطى بقشة".
وليس بعيدا من هذه الاجواء، اعرب الرئيس بري عبر "النهار" امس عن اقتناعه بضرورة الاستمرار في طرح المبادرات والافكار من اجل كسر الجمود وفتح ثغرة للحوار. وقال ان "الحكومة التوافقية تسهل علينا عبور الاستحقاق الرئاسي، علما ان الاستحقاقين يجب الا يؤثر احدهما على الآخر". لكنه لم يكتم ان الخطر الاكبر الذي يتهدد لبنان يكمن في تطيير الاستحقاق الرئاسي ولذا يحرص على العمل من اجل انضاج طبخة حكومية توافقية تسهل هذا الاستحقاق. وشدد على انه "لم ييأس اليوم من الوصول الى حل في شأن الملف الحكومي".