خلافاً لكلّ ما يُشاع من هنا وهناك عن وجود اندفاعة قوية على مختلف المستويات لإنتاج قانون انتخاب جديد قبل 15 أيار المقبل، فإنّ ما يرشح من مختلف الأوساط يشير إلى استمرار دوران الجميع في حلقة مفرغة، في ظلّ تَباعُد بين المواقف وتضارُب بين المشاريع الانتخابية التي لم يرتقِ أيّ منها بعد إلى مستوى تحقيق عدالة التمثيل وشموليته لشتّى فئات الشعب وأجياله، حسب روحية «اتفاق الطائف». وبدا من المعلومات التي ترشح من أوساط هذه المرجعية المسؤولة أو تلك أنّ قانون الستين بدأ يستعيد «بريقه» ومكانته كقانون نافذ لم يمت رغم إماتة كثيرين له، وأنّه قد يُعتمد مخرجاً من المأزق، بعد إدخال بعض التعديلات الطفيفة عليه، لتُجرى الانتخابات على أساسه بعد تمديد لا يتجاوز خمسة أشهر، وهو ليس تمديداً بمقدار ما هو تعديل مهَل أو استعادة المهَل نفسها التي أسقِطت قبل موعد الانتخابات التي كانت مقرّرة في 20 أيار، علماً أنّ البعض ما زال يُبدي تفاؤلاً باحتمال الاتفاق على قانون جديد في ربعِ الساعة الأخير ما قبل 15 أيار.
توزّعت الحركة أمس بين قصر بعبدا وبكركي والمجلس النيابي والضاحية الجنوبية لبيروت والشارع الذي شهد حراكاً مطلبيا ليس بعيداً من اجواء الضاحية وعين التينة.

وتمحورَت هذه الحركة حول قانون الانتخابات النيابية والموازنة والعقوبات الاميركية المنتظرة، ويبقى القاسم المشترك فيها انّ الغموض سيّد الموقف، بحيث لم يُعرف بعد، اين ستستقرّ الكرة.

فالملف الانتخابي، غير معلوم بعد اين سيحط رحاله، شأنه شأن الموازنة التي ليس معروفاً بعد ما سيُدخِله مجلس النواب عليها من تعديلات، كذلك في ملف العقوبات التي لم يُعرف بعد مداها وتوقيتها.

أمران لافتان

وكان اللافت في الشأن الانتخابي أمس أمران: الاوّل موقف لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي خفّض لاءاته الثلاث الى اثنتين، فباتت: «لا للتمديد ولا للفراغ». ونحّى جانباً قانون الستين، وذلك عندما أكّد «أنّ التمديد للمجلس النيابي يجب ان لا يحصل ولا يهدّد احدٌ به، لأنّ فيه خراباً للبنان».

وأشار الى انّه حتى مهلة 20 حزيران المقبل يمكن وضعُ قانون انتخابي جديد «وحتى لو وصلنا الى 20 حزيران، فإنّ لا فراغ سيحصل في المؤسسات». وقال: «هذا المجلس لن يمدّد لنفسه ومِن غير المقبول ان يمدّد لنفسه دقيقة واحدة».

وإذ اعتبر عون انّ التمديد هو ايضاً فساد متراكم، «وليس في إمكاننا ان نستمرّ به اربع سنوات بعد»، فإنّه سأل: «من في استطاعته ان يقول لنا انّنا اذا ما مدّدنا للمجلس مرّة ثالثة، انّ هذا الاخير لن يقوم بالتمديد لنفسه مرّة رابعة؟» ولاحَظ «انّ ثمّة من يتحدث من حين الى آخر أنّ لطائفته خصوصية، فلماذا لا يكون للآخر من خصوصية ايضاً؟

وقال: «إذا كان لبنان كلّه خصوصيات، فلكلٍّ خصوصيّته وواحته، إلا انّنا نعيش معا، امّا ان يسعى احد للسيطرة على الآخر وحرمانه من حقوقه فهذا لن يحصل نهائياً».

الراعي

أمّا الامر الثاني اللافت فتمثّلَ في موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي يدفع بقوة نحو إنتاج قانون انتخابي جديد قبل 15 أيار، «على قياس الوطن لا على قياس الأشخاص».

وأسفَ لِما يقال من انّه يريد قانون الستين، في الوقت الذي يناشد الجميع منذ سنوات ضرورة وأهمّية إقرار قانون جديد للانتخابات يمنح صوت المواطن قيمةً وتمثيلاً صحيحاً لكلّ مكوّنات المجتمع اللبناني. وكرّر أنه «ضد الفراغ والتمديد لمجرّد التمديد لأنه يصبح اغتصاباً للسلطة».

نبرة عالية

وعزت دوائر قصر بعبدا لـ«الجمهورية» نبرةَ عون العالية الى أنّه «تلقّى بغضب ورفض نتائج ورشة الاتصالات الأخيرة التي شهدتها البلاد، وتحديداً في الأيام التي تلت القرار الذي اتّخِذ باستعادة مجلس الوزراء ملف قانون الإنتخاب وتشكيل المجلس لجنة خاصة لهذا الموضوع قد آلت الى الفشل الذريع».

وأوضحت هذه الدوائر انّ عون «مارَس كلّ أشكال الضغوط في اتجاه الوصول الى قانون عادل يصحّح التمثيل ولم يلقَ سوى شروط تعجيزية، ما أدّى الى اتّهامه صراحةً وللمرة الأولى «بعضاً لم يسمِّه» بالسعي الى «السيطرة على الآخر وحرمانه من حقوقه، وهذا لن يحصل نهائياً»، وأنّ هذا السعي «يتمثل في السيطرة على حقوق كلّ الشعب اللبناني من خلال حرمانه من حقّه في الانتخابات، عبر أجواء سياسية سيئة».

وأكّدت دوائر بعبدا أنّ ما جعل عون يرفع صوته عالياً «هو تراجُع البعض عن تعهّدات قطِعت في لقاءات واجتماعات سابقة»، مُستغرباً «تلوُّنَ المواقف الى درجة تثير الشك بالنيّات وما يريده البعض وما يُضمره بعيداً ممّا يطلقه من مواقف».

برّي

وإلى ذلك، أكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زوّاره امس انّ الجلسة التشريعية ستنعقد في 15 أيار المقبل، وأشار الى أنّ ما لفتَه هو كلام رئيس الجمهورية عن إجراء الانتخابات وفقَ القانون النافذ، وقال: «أنا كرئيس مجلس حدّدت موعد جلسة 15 أيار لتفادي الفراغ، وأعطيت كلّ هذه الفرصة من اجل توصّلِ الافرقاء الى قانون انتخاب، ولم أكن لأوافق على التمديد إلّا من أجل التوصّل الى قانون جديد.

أنا ضدّ تمديد الولاية النيابية لسَنة، وحتى إذا ذهبنا إلى القانون النافذ فإنّ التمديد يجب ان يقتصر على الوقت الضروري لإجراء الانتخابات من خلال تعديل المهل، ولن يتعدّى هذا التمديد خمسة اشهر. وحتى وإنْ ذهبنا الى قانون جديد، وهذا ما أتمنّاه، فإنّ ايّ تمديد سيكون مرتبطاً بالمدة الكافية والمحدودة لتنظيم الانتخابات على اساسها».

وأضاف بري: «في حال عُدنا إلى قانون 2008 (اي قانون الستين)، فثمّة إجراءات يجب الإسراع في اتّخاذها، ومنها إنشاء هيئة الاشراف على الانتخابات، ولكن بعودتِنا الى القانون النافذ نكون قد أهدرنا 3 إلى 4 أشهر من موعد إجراء الانتخابات». وختم: «أمّا في ما يتعلق بما يثيره البعض عن نقل مقاعد نيابية (من منطقة الى أخرى) كشرط لإجراء الانتخابات وفق قانون الستين، فلينزَعوا من رؤوسهم هذه الفكرة».

نحو الأسوأ

وقالت مصادر سياسية مطّلعة على المفاوضات الانتخابية لـ«الجمهورية» إنّ الامور على حالها لا بل تتجه نحو الأسوأ في ظلّ تشبّثِ كلّ فريق بموقفه رغم الحديث عن دينامية الافكار والصيغ».

واكّدت انّ الوزير جبران باسيل «يتّجه الى وضعِ القانون التأهيلي كأمر واقع خصوصاً بعدما تبلّغ موافقة «المستقبل» عليه»، وكشفَت انّ الرئيس سعد الحريري «ابلغَ الى اكثر من طرف أنه سيَسير في التأهيلي وأنّه منفتح على تعديلات عليه إذا ما لمس ليونةً من الاطراف الاخرى في الاستعداد للقبول به».

وإذ تخوّفت «من تكرار سيناريو شبيه بانتخابات رئاسة الجمهورية التي جرت بعد اتفاق سياسي بين «المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، لفتت الى انّ الوضع مختلف اليوم في كثير من جوانبه، إذ إنّ «حزب الله» لن يسير بهذا الاتفاق، كما انّ الرئيس بري والنائب وليد جنبلاط يعارضان التأهيلي بشراسة».

ورأت انّ هذه الاجواء تشير الى تأزّم شديد في الواقع السياسي ولا بشائر حَلحلة قبل جلسة 15 أيار، ما يعني انّ الامور مفتوحة على كلّ الاحتمالات، لأنّ التمديد في حد ذاته سيُحدث اشتباكاً. كذلك فإنّ طلب التصويت على قانون انتخاب خارج التفاهم السياسي هو الاشتباك في حد ذاته». وكشفت المصادر أنّ الاتصالات التي نَشطت في الساعات الاخيرة لعقد جلسة لمجلس الوزراء دونها عقبات «ما يعني ان لا جلسة ستُعقد في القريب العاجل».

«القوات»

وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» إنّ كلّ ما يتم تداوُله عن استبعادها من المفاوضات الانتخابية غير صحيح إطلاقاً، لأنّ المفاوضات تتم على مستويات مختلفة ثنائية وثلاثية ورباعية، و«القوات» شريكة في كلّ المفاوضات الحاصلة، وتَطَّلِع لحظةً بلحظة على كلّ المعلومات والتفاصيل وتُواكب سير اللقاءات التي لا تكون مشاركةً فيها، على غرار اللقاء الرباعي، حيث يضعها كلّ مِن «التيار الوطني الحر» و«المستقبل» في صورة مداولاته».

ولفتَت الى «عدم وجود إطار تفاوضي ثابت، بل لقاءات متحرّكة تشارك «القوات» في معظمها، وهي تشكّل جزءاً لا يتجزّأ من حركة المفاوضات القائمة، وأكّدت حرصَها المستمر على نقلِ موقفها مباشرةً للقوى السياسية بلا وسيط، كما أفكارها وملاحظاتها، وهي على تنسيق يومي مع «التيار الوطني الحر» في سياق معركة مشتركة هدفُها الوصول إلى قانون يعكس صحّة التمثيل الفعلية ويضع حداً نهائياً لكلّ القوانين المجحِفة المتعاقبة منذ «الطائف» إلى اليوم والمخالفة لهذا الاتفاق».

وأكّدت المصادر نفسها «أنّ كلّ كلام عن رفضها للتأهيلي غير صحيح، بل هناك من يريد تحميلها الرفض ليتذرّع برفضها من أجل إسقاط التأهيلي وتجنّب الصدام مع القاعدة العونية واستطراداً المسيحية، فيما «القوات» وضَعت ملاحظات عدة على هذا المشروع وأعلنَت في وضوح انّ الأخذ بها يدفعها إلى تأييده، خصوصاً أنّ الهدف منها هو تحسين الشروط التمثيلية للتأهيلي بغية جعلِه يقترب من المناصفة، وأبرز ملاحظاتها تَكمن في المطالبة بالصوت التفضيلي على القضاء، ورفض نسبة الـ 10% وإعادة النظر ببعض الدوائر وحصر التأهيل بالمرشّح الأول والثاني وتخطّي العثرات التقنية».

وأكّدت «أنّ المفاوضات في هذا الإطار مستمرة، ولكن من الواضح انّ هناك من يريد التخلّص من التأهيلي على غرار إسقاطه المشاريعَ الأخرى لتخيير الجميع بين مطرقةِ التمديد أو سندان القانون الذي يَمنحه السيطرة على مفاصل الدولة».

ورأت «أنّ محاولات ضربِ العلاقة القواتية-العونية لم تتوقف، ولا يبدو انّها ستتوقف، ولكن نُطمئن الغيارى إلى أنّ «القوات» و«التيار الحر» يخوضان معركة قانون الانتخاب «كتفاً إلى كتِف» وصولاً إلى القانون الذي يعيد الاعتبار للميثاق الوطني تطبيقاً لاتفاق الطائف».

«التيار»

واعتبَر باسيل أنّ التمديد «مسدّس موضوع في رأس اللبنانيين يجب إزالته لنتمكّن من البحث في قانون الانتخاب»، لافتاً إلى انّ «من يطرح التمديد يترك لنفسه مخرجاً لعدم إقرار قانون جديد، على عكسِنا نحن».

وقال: «لسنا من طرَح التأهيلي، بل نحن تبنّيناه وندافع عنه، ومن لا يريد التأهيلي في القضاء مستعدّون لأن نوافق على ان يكون في الدائرة»، وقال: «كلّما نصِل إلى قانون نتفق عليه تظهَر لغتان، أولى في غرفة النقاش وثانية في الإعلام لإسقاط ما اتّفقنا عليه». وأضاف: «نغشّ اللبنانيين عندما نقول إنّ التأهيلي غير نسبيّ وإنه لا يؤمّن صحة التمثيل، وما يؤمّن الوحدةَ بين اللبنانيين هو عدالة التمثيل».

الأميركي والروسي

وإذا كانت المراجع الدولية تختلف على الموضوع السوري إلّا انّها تتفق على الموضوع اللبناني، فهي ترفض الفراغ في لبنان وتريد إجراء الانتخابات النيابية.

وتجسّد هذا الموقف في تحرّك السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد نحو عين التينة، والسفير الروسي ألكسندر زاسبيكين نحو وزارة الداخلية.

وعلمت «الجمهورية» انّ ريتشارد وزاسبكين نَقلا الى كلّ من بري ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ضرورةَ ان يأخذ لبنان حذرَه وينأى بنفسه عن التورّط في قضايا في هذه المرحلة الدقيقة.

وفي المعلومات أيضاً أنّ العقوبات الاميركية كانت محلّ بحثٍ بين بري وريتشارد وأنّ رئيس المجلس سمعَ ما وصفه بـ«كلام إيجابي» من السفيرة حول هذا الموضوع.

وفيما تردّدت معلومات من انّ ريتشارد اثارَت موضوع جولة «حزب الله» الإعلامية في الجنوب من موقع اعتراضي عليها، لم تؤكّد اوساط عين التينة ذلك.

من جهته، اعتبَر زاسبكين «أنّ أخطر ما يمكن ان يَحدث هو الفراغ»، مشدّداً على وجوب إجراء الانتخابات «ليكون كلّ شيء على ما يرام وفقاً للدستور اللبناني وتلبيةً للمطالب الشعبية».

قائد الجيش

وفي وقتٍ حطَّت طائرة مساعدات أميركيّة أمس في مطار رياق محمّلةً بمساعدات للجيش اللبناني، للمرّة الثانية خلال أسبوع، قال مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» إنّ «المساعدات ليست عاجلة بل هي مُقرّرة سابقاً، وتأتي في إطار برنامج المساعدات المستمرّ للجيش، وأُفرِغت في مطار رياق في البقاع، نظراً لوجود المخازن المخصّصة لها فيه».

وفي إطار التعاون العسكري الأميركي - اللبناني، سيقوم قائد الجيش العماد جوزف عون بزيارة رسمية، هي الأولى له منذ تولّيه المنصب، إلى واشنطن، وأكّد مصدر أمني لـ«الجمهورية» أنّ «موعد الزيارة لم يُحدَّد بعد لأسبابٍ أمنية».

وأوضَح أنّ «الزيارة التي وُجّهت الدعوة إليها عبر الطرق الديبلوماسية والعسكرية المتّبعة، ستتطرّق إلى برامج المساعدات وإمكان تفعيلها، إضافةً الى حاجات الجيش، وسيقدّم العماد عون موجزاً عن إنجازات الجيش الأمنية والعسكرية في مجال محاربة الإرهاب، والجهوزية التي وصل إليها في هذا الإطار».

عرسال

وفي هذا الوقت، ما زالت جرود عرسال ورأس بعلبك تسرق الأضواء، خصوصاً بعد الغارات الجوّية التي نفّذتها مروحيات الجيش اللبناني ليل أمس الأول على مواقع المسلحين. وأكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «الغارات التي نُفّذت بعد رصدِ، كشفَت تجمّعات للمسلحين، فأغارت المروحيات وحقّقت إصابات مباشرة، ما يدلّ على فعالية هذا السلاح، وأهمّية الصواريخ المستخدمة في الغارة».

ووقع انفجار أمس في منطقة خربة يونين في جرود عرسال، أدّى إلى مقتل مسؤول عمليات التفخيخ في «جبهة النصرة» أبو قاسم التلي، وأُصيبَ معاونه اللبناني أحمد أبو داوود. ورجّحت مصادر أمنية لـ«الجمهورية» أن يكون تنظيم «داعش» خلف هذا العمل نتيجة تصفيةِ حسابات مع «النصرة»، في وقتٍ تحدّثت معلومات أمنية أخرى عن احتمال انفجار عبوة كان يتمّ تجهيزها».

موازنة واعتصامات

مطلبياً، بعد تحرّكِ المياومين وأصحاب الشاحنات، وبالتزامن مع انعقاد اجتماع لجنة المال والموازنة برئاسة النائب ابراهيم كنعان، لبدء درسِ مشروع قانون الموازنة للعام 2017، نفّد الاتّحاد العمّالي العام وموظفو الضمان الاجتماعي وكلّ القطاعات النقابية اعتصاماً أمس في رياض الصلح، تحدّث فيه رئيس الاتّحاد بشارة الأسمر وقال: «إنّ المادتين 54 و 68 لن تمرّا، وأبلغنا جميعَ المعنيين أنّ التصعيد مفتوح على كلّ الاحتمالات، بما فيها الإضراب العام لأيام»