وسط الغموض الذي يكتنف جولة المشاورات السياسية الكثيفة التي تهدف الى ايجاد حل لمأزق قانون الانتخاب الجديد قبل بت المخرج الالزامي للتمديد التقني لمجلس النواب، يبدو ان مشاركة لبنان في القمة العربية المقرر عقدها في عمان نهاية الشهر الجاري ستشكل بدورها استحقاقاً شائكاً ولو قلله المسؤولون المعنيون بهذه المشاركة. ولفتت أوساط مطلعة عبر "النهار" في هذا السياق الى ان التحركات العربية الجارية قبيل القمة تعكس مناخاً مشدوداً لجهة مجموعة قضايا وملفات سيجد لبنان نفسه معنيا بالاستعداد لمواجهتها بتنسيق المواقف الرسمية تمهيداً لطرح هذه القضايا التي يمكن ان تشكل احراجا للبنان واستعادة لمناخات سلبية بينه وبين بعض الدول العربية ولا سيما منها الخليجية. ولاحظت ان هناك مؤشرات توحي ان الكباش الاميركي – الايراني المتجدد سيرخي ذيوله على القمة كما ان هناك معطيات حول طرح اميركي يتصل بتحريك عملية السلام في الصراع العربي - الاسرائيلي ربطا برغبة العرب في هذا التحريك وتقليص النفوذ الايراني في المنطقة. وهما عاملان يعنى بهما لبنان سواء من حيث امكان اتجاه القمة الى موقف متشدد من توسيع النفوذ الايراني في المنطقة أو من حيث احياء مبادرة السلام العربية التي اقرت في بيروت عام 2002.
وفي ظل هذه المعطيات رأت الاوساط ان مشاركة رئيس الوزراء سعد الحريري مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في القمة يفترض ان تكون قد تقررت في ظل توافق على مواجهة هذا الاستحقاق وتجنب أي تداعيات سلبية محتملة، علماً ان المعطيات المتوافرة عن كلمة لبنان التي سيلقيها الرئيس عون تشير الى انها ستحمل مواقف متطابقة تماماً مع خطاب القسم للرئيس عون بما لا يثير اي خشية لهذه الجهة، لكن الامر الذي يثير تساؤلات مسبقة يتصل بما يمكن ان يكون الموقف الرسمي اللبناني في مواجهة اتجاهات محرجة داخلياً وعربياً للحكم والحكومة.

 

 

تناقضات ومخاوف
أما في ما يتصل بالواقع السياسي الداخلي، فبدا في الساعات الاخيرة ان استراحة ملف قانون الانتخاب لن تطول أبعد من مطلع الاسبوع المقبل باعتبار ان الحكومة لم تنجز بعد ملف الموازنة الذي أرجئ بته نهائيا الى الاثنين المقبل. وبرزت في هذا الاطار ملامح اتساع التناقضات الكبيرة في شأن الاتجاهات المطروحة حول اعتماد النسبية أساساً لقانون الانتخاب الجديد والتي لا تزال تثير هواجس يصعب معها التسليم بان خطاً بيانياً ثابتاً قد اتفق عليه لانطلاق الجولة الحاسمة حول هذا القانون. وقالت مصادر سياسية بارزة مشاركة في الاتصالات الجارية في شأن الملف لـ"النهار" إن عمليات جس النبض وبالونات الاختبار حول اعتماد النسبية الكاملة التي يضغط "حزب الله " وبعض حلفائه لترسيخها والتي اطلقت بكثافة في الايام الاخيرة أدت الدور المطلوب منها اذ ابرزت ردود فعل سلبية من جانب الثنائي المسيحي "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية " اللذين بدا تكراراً انهما لن يقبلا الا بقانون مختلط يجمع الاكثري والنسبي. كما ان "تيار المستقبل " الذي تنسج تقديرات وتكهنات حول اتجاه زعيمه الرئيس الحريري الى الموافقة على النسبية الكاملة، بدا واضحاً انه ليس في وارد اتخاذ مواقف تعتبر استفزازية لأي فريق ولن يتفرد تالياً بأي موقف لا يضمن ان يلقى قبول الحلفاء ولا سيما منهم الثنائي المسيحي والحزب التقدمي الاشتراكي وان كان يبدي مرونة واضحة في التعامل مع مسألة النسبية.
وفي السياق نفسه بدأت المخاوف من تجاوز المهل القانونية واحتمال تعذر التوصل الى قانون جديد تتخذ طابعاً جدياً خصوصاً ان تزاحم الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والامنية يشكل عاملاً اضافياً للارباك الذي يطبع ادارة مأزق قانون الانتخاب وليس أدل على ذلك من تعذر فتح الملف بعد في مجلس الوزراء. واسترعى الانتباه في هذا الصدد قول الرئيس نجيب ميقاتي الذي عاد المشروع الانتخابي الذي وضعته حكومته الى صدارة المشاريع المطروحة حاليا ان الانتخابات النيابية لن تجرى في حزيران المقبل " واذا لم يحصل اتفاق على قانون انتخاب جديد ستتأخر الانتخابات الى السنة المقبلة لانه يصعب اجراء الانتخابات في الخريف أو الشتاء".
كما ان النائب بطرس حرب حذر بدوره من "الخيارات المتبقية بعد انقضاء المهل والمحصورة بين خيار الفراغ الدستوري الذي لا مخرج منه الا باللجوء الى مؤتمر تأسيسي حول نظام سياسي ودستوري بديل من النظام الذي اسقطوه عمدا او غباوة أو الى تمديد جديد لولاية المجلس قبل سقوطه وهو ابغض الحرام وأسوأ الحلول ولو جملوه بصفة التمديد التقني". ودعا رئيس الجمهورية الى تدارك الاخطار الكبيرة بتحميل مجلس الوزراء مسؤولية ايجاد حل والاتفاق على قانون جديد للانتخاب في اقرب مهلة.

 

الموازنة والكهرباء
في غضون ذلك أرجأ مجلس الوزراء مراجعته النهائية للموازنة الى جلسة يعقدها بعد ظهر الاثنين المقبل على ان يناقش أيضاً خلالها خطة الكهرباء التي يخصص لها جلسة أخرى الثلثاء. وحال جدول أعمال فضفاض دون انجاز مجلس الوزراء امس مراجعة الموازنة، اذ أقر المجلس معظم بنود الجدول ومن ابرزها اقرار دفتر الشروط المتعلق بتجهيزات المطار والمناقصة التي ستطرح لهذه الغاية كما اقر تجديد عقود الوزارات القائمة في مبنى اللعازارية.
الى ذلك اعتصمت مجموعة من المستأجرين القدامى صباح أمس أمام مقر المجلس الدستوري على بولفار كميل شمعون احتجاجاً على تنفيذ القانون الجديد للايجارات، وسط اجراءات امنية مشددة لقوى الامن الداخلي بعدما قطعوا طريق غاليري سمعان في الاتجاهين بعض الوقت واعادوا فتحها في ما بعد.