ما هي العوامل السياسية والعسكرية التي دفعت الجماعات المسلحة لتفجير الاوضاع في دمشق وريف حماة حسب مصادر متابعة للملف السوري.
1- انعقاد القمة العربية في عمان اواخر الشهر في اجواء الانتصار السوري في حلب، وهذا ما دفع مصر والجزائر والعراق الى طلب حضور سوريا للقمة العربية، وقد جوبه هذا الطلب برفض سعودي قطري، وجاءت هجمات المسلحين على دمشق لتحقيق انجاز يفرض وهجه على القمة العربية ومحاصرة المواقف المصرية الجزائرية العراقية، عبر التزامن بين عقد القمة والنار في قلب دمشق، للتأثير على الاتصالات السعودية مع مصر لتليين موقفها وتجنب تفجير القمة العربية بسبب اصرار القاهرة على عدم صدور مواقف حادة ضد دمشق تسعى اليها السعودية وقطر.
2- حاجة المسلحين في جوبر وزملكا ودوما لفتح اشتباك بعد حصارهم جراء نجاحات الجيش السوري في ارياف دمشق وحلب وتدمر. فلجأ مسلحو النصرة وجماعة الرحمن الى فتح معركة العباسيين وسط دمشق لفتح ثغرة عسكرية وسياسية قد تسمح لهم بالتفاوض على شروط ترحيلهم كما حصل في حي الوعر في حمص والذي كان يوصف بالقلعة الحصينة للمسلحين. ويعرف المسلحون ان معركة في هذا الحجم لا يمكن ان يحققوا فيها اي تقدم في ظل القرار السوري الايراني الروسي حزب الله الحاسم بحماية دمشق ولو احترقت المنطقة كلها. كما ان عدد المسلحين الذين هاجموا حي العباسيين بحدود 2000 مقاتل من النصرة وفيلق الرحمن المشارك في اجتماعات الاستانا. وهذا الحجم لا يقلب الموازين.
3- اقتراب موعد مؤتمر جنيف وضرورة عقده في اجواء توازنات عسكرية جديدة ووفق المعلومات فان ممثل الامم المتحدة في سوريا دي ميستورا هو من نصح المعارضة في هذا الخيار قبل اسابيع مما دفع دمشق الى رفض استقباله.
4- موقف تركي بدأ يعبر عن نفسه بالتنصل من الالتزامات التي قدمتها تركيا لايران وروسيا. وبرز بمشاركة فرقة الرحمن التابعة لتركيا بالهجوم الاخير الى جانب النصرة وهذا التمايز ظهر عبر استدعاء السفير الروسي من قبل الخارجية التركية.
5- الوهج الذي حققه الجيش بعد التصدي للطائرات الاسرائيلية، ولذلك فإن اي خرق للمسلحين في دمشق، قد يؤدي الى صورة جديدة للاوضاع تفرض منطقها على القمة العربية في عمان، وهذا لم يحصل، وبالتالي لا اوراق قوة بيدي السعودية وقطر لفرضها على طاولة القمة لخلق معادلات جديدة تطغى على انتصار حلب.

 الوضع العسكري 

هذا على صعيد السياسة، اما على الصعيد العسكري فتؤكد المصادر ان كل ما نشر عن العمليات العسكرية في حي العباسيين في دمشق وريف حماه جاء «خارج الصحن» مطلقا، وتكشف بأن الجيش السوري كان قد حيد لاعتبارات عسكرية ارياف دمشق وحماه واعطى الاولوية لحلب وتدمر، وبعد تحريرهما بدأ الجيش السوري عملياته في ارياف دمشق وتحديدا في داريا وتم اخراج المسلحين منها، وبعدها السيطرة على منابع المياه في بردى بالاضافة الى اجراء مصالحات في العديد من الاحياء.
وتضيف المصادر ان الجيش السوري وحلفاءه كانوا قد عقدوا هدنة وليس مصالحات في احياء القابون - برزة - تشرين، القريبة من جوبر، ومنذ اسابيع تقريبا طلب الجيش السوري عبر لجان المصالحة في دمشق ان يتم حل لهذه الاحياء عبر المصالحات، فتجاوب المسلحون جميعهم باستثناء جبهة النصرة وجماعة الرحمن، فقام الجيش بعمليات في خان الشيح والمحطة، وفصل هذه الاحياء عن جوبر، وطوقها من جميع الجهات، فوافق المسلحون نتيجة الضغط على الخروج الى ريف ادلب باستثناء النصرة وفيلق الرحمن، وعندها لجأت النصرة الى الهروب الى الامام، وبادرت الى الهجوم مستغلة الظروف السياسية والحاجة السعودية القطرية لاحداث توازن في القمة العربية وجنيف، وتم التحضير للعملية بدعم سعودي - قطري - تركي، وفي المعلومات ان المسلحين استخدموا تقنيات عسكرية لا تملكها اكبر الجيوش وقد سمحت بالتشويش على مراكز اتصالات الجيش السوري، بالاضافة الى قصف بمختلف العيارات وبمعدل 50 قذيفة في الدقيقة ومن كل مناطق المسلحين في ارياف دمشق، باتجاه حي العباسيين المجاور لجوبر.
وفي المعلومات ان المسلحين الذين هاجموا حي العباسيين يقدر عددهم بـ 2000 مقاتل من النصرة وفيلق الرحمن «القاعدة سابقا» واستخدموا 3 شاحنات مفخخة بمئات الاطنان من المتفجرات وتمكن الجيش السوري من تفجير شاحنة عن بعد فيما انفجرت شاحنتان قرب الحاجز السوري والخطوط الفاصلة بين جوبر ومواقع الجيش السوري واحدث الانفجاران ما يشبه الهزة الارضية، كما وصفهما سكان دمشق، وتمكن المسلحون من احداث خرق كبير وسيطروا على معمل الكراش، وشركة الكهرباء ورحبة المرسيدس واقتربوا من كراج العباسيين وتمكن الجيش السوري بعد ساعات وعبر القصف الجوي السوري والروسي وتعزيزات الحرس الجمهوري وحزب الله من استعادة كل المواقع، لكن المسلحين استأنفوا هجمومهم في اليوم التالي عبر منطقة المعامل ولم يحققوا ما حققوه في الهجوم السابق وتعامل الجيش السوري معهم بكل القوة النارية واستعاد معظم النقاط باستثناء ابنية محاصرة، واستعادها ليل امس.

 الحسم العسكري لأرياف دمشق 

وفي المعلومات ايضا ان المسلحين ومن خلال هذا الهجوم فشلوا في فك الحصار عن الخط الممتد من جوبر الى زملكا ودوما وعبرين ومسرايا وما زالت هذه الاحياء مطوقة كليا، الا من ممر ترابي ضيق ومكشوف للجيش السوري، رغم ان جوبر ودوما هما اكبر قاعدتين للمسلحين ليس في ريف دمشق بل في سوريا.
وتؤكد المعلومات ان الارباك الاخير لاهالي دمشق عبر عملية جوبر دفع بالجيش السوري والحلفاء الى اتخاذ قرار بالحسم العسكري او بالمصالحات في هذه الارياف. وسيتم اعطاء مهلة زمنية للجان المصالحات لانجازها، والا فإن الامور ستحسم عسكريا كما حسمت في الاحياء الشرقية في حلب، فهناك نموذجان للمسلحين نموذج حي الوعر وداريا ونموذج شرق حلب وتدمر وعليهم الاختيار علما ان الهجوم الاخير على العباسيين ادى الى خسارة النصرة وفيلق الرحمن لنخب المقاتلين والكوادر الاساسية وهذا ما اثر على قدراتهم وظهر ذلك في اليوم الثاني للهجوم، حتى ان الدول الاوروبية وواشنطن تعاملت مع هجوم المسلحين من جوبر على حي العباسيين دون اي اكتراث لمعرفتهم بأن هذا الامر لن يحقق اي انجاز.


 فتح جبهة حماه 

وتشير المعلومات الى انه بموازاة الهجوم على حي العباسيين، هاجمت النصرة مناطق ريف حماة المفتوحة على ريف ادلب «خزان النصرة» وبمشاركة كل الفصائل دون استثناء جراء ضغط النصرة، وهذه القوى جميعها شاركت في الاستانا، واستطاعت في الايام الاولى من تحقيق خروقات واسعة وسقطت مناطق استراتيجية وتلال واكثر من 40 قرية وبعض هذه القرى يقطنها مسيحيون وعلويون، ووصل المسلحون الى مشارف مدينة حماة من ريفها الغربي وحاولوا قطع طريق دمشق - حلب الرئيسية والوصول الى مدينة حماة. كما وصل المسلحون الى غرب مدينة محردة اكبر معقل للجيش السوري وسيطروا على المرتفعات المطلة المتاخمة لمحردة وقطعوا طريق حماة المحردة.
وقد بدأ الجيش السوري بعمليات لاستعادة زمام المبادرة ودفع بتعزيزات كبيرة بالتزامن مع قصف مدفعي وجوي لمواقع المسلحين في القرى التي سيطروا عليها وتحديداً محطة بلدة خطاب ومعردس وحلفايا وارزة وحوران كما صدوا هجوماً للمسلحين باتجاه بلدة قمحانة، وقصفوا مواقع المسلحين في زين العابدين وعززوا تواجدهم في الجبهة الشمالية لمدينة حماة.
علماً أن هذا الهجوم للمسلحين ليس الاول على هذه المنطقة، وقد شنوا هجوماً العام الماضي ووصلوا الى مشارف حماة ثم استرد الجيش السوري كل النقاط وهذه المنطقة تشهد عمليات «كر وفر» وفشل المسلحون بقطع طريق حلب - دمشق والوصول الى اثاريا. لكن المعارك كانت مختلفة عن ارياف دمشق كون ريف حماة مفتوحاً على ريف ادلب معقل النصرة وجيش التركستان وهيئة تحرير الشام والفرقان وجيش الاسلام ومجموعات تركية شاركت كلها في الهجوم.
وفي المعلومات وحسب الخارطة العسكرية فان الجيش السوري يهاجم على 5 جبهات هي: ريف حلب الشرقي وصولا الى دير حافر على مشارف الرقة.
ـ ريف حلب الغربي وصولا الى اوستراد الرقة وحلب، وهاتان الجبهتان تم القتال فيهما ضد داعش.
ـ جبهة تدمر حيث بات الجيش السوري على بعد 70 كلم من دير الزور والقتال ايضاً ضد داعش.
ـ جبهة ريف دمشق، جبهة شرق حماة حيث التقدم بطيئاً لكن الجيش السوري يحقق نجاحات ضد داعش.
فيما يدافع الجيش السوري في جبهة درعا دون احداث تبدلات في موازين القوى على الارض، والنصرة وداعش يقاتلان الجيش السوري في هذه المنطقة.
ـ جبهة ريف اللاذقية حيث القوات التركية وجيش التركستان وفيلق الرحمن يقاتلون الجيش السوري الذي يحتفظ بخطوط دفاع قوية.
ـ جبهة الغاب ـ حوران ريف حماة المفتوحة على ريف ادلب والقتال الاساس ضد النصرة وكافة الفصائل.
ـ جبهة مطار دير الزور مع داعش لكن الجيش السوري حقق نجاحات مؤخراً.
اما في الرقة فلها حسابات مختلفة مع التواجد الاميركي في الارياف رغم تأكيد قوات سوريا الديموقراطية انهم غير قادرين على دخول المدينة بقواهم الذاتية وهم لا يعارضون مشاركة الجيش السوري في العملية الكبرى، وهذا ما ترفضه تركيا والسعودية وفرنسا لكن القرار الاول يبقى لواشنطن بادارة المعركة بالطريقة التي تريدها.
اما تركيا فقد بدأ «الحمل السوري» يثقل كاهلها في ظل ازماتها المفتوحة ومؤخراً مع أوروبا، كما عليها مراعاة روسيا، اما اميركا فهي منحازة للاكراد، والاردن بعيد عن الدخول المباشر، ويخشى على امنه، ويبقى الدعم الاكبر للمسلحين من السعودية وقطر.

 نفط تدمر 

هذه هي صورة المشهد السوري حيث موازين القوى لصالح الجيش السوري لكن المعركة طويلة، وهذا لا يلغي بأن قرار الحسم اتخذ في ارياف دمشق، ويبقى لمعركة الرقة ابعاداً مختلفة وتحديداً اميركية في ظل خطورة ما نقله العبادي بعد اجتماعه بترامب بان الاميركيين يفضلون ان تتوقف المعارك بعد تحرير الموصل والرقة ودير الزور وان تترك «الصحارى» لهؤلاء المسلحين، لانه لا قدرة لهم على قلب موازين القوى، وهذا يؤكد بان الاميركيين يريدون استغلال «ارض الصحارى» للمسلحين لارباك سوريا والعراق وايران وروسيا وحزب الله وخلق توترات دائمة، لأن هدف واشنطن الاول منع فتح طريق طهران ـ بغداد، دمشق ـ بيروت، ولذلك نزل الاميركيون بكل ثقلهم في «البوكمال» على الحدود العراقية ـ السورية وسيطروا على معبر «التفتاز» على الحدود العراقية ـ السورية ـ الاردنية ولمنع تواصل الجيشين السوري والعراقي فيما وجه الاميركيون انذاراً الى القوات العراقية التي حاولت شق طريق كبير يصل الى الاراضي السورية، خصوصا ان العراقيين فاتحوا السوريين بضرورة فتح هذه الطريق وتأمين منفذ الى طرطوس وبانياس للاستفادة من المرفئين البحريين اللذين يستوعبان كبريات السفن للحد من المضايقات الخليجية عبر الموانىء البحرية الخليجية، علما ان المنفذ البحري الوحيد للعراق حالياً هو ميناء دبي والطرح العراقي عارضته واشنطن، كما ان لمعركة سوريا ابعاداً اخرى واستراتيجية في منطقة تدمر وقارة وساحلي طرطوس وبانياس حيث اكبر مخزون للغاز في العالم، واذا ما استخرج هذا الغاز جعل من سوريا ثالث مصدر للغاز في العالم وسوف تأخذ مركز قطر بعد روسيا وايران، وهذا ما نشره الاستاذ جميل شاهين في مركز فيريل للدراسات في برلين ويقدر احتياطي الغاز السوري بـ 28.500.000.000.000 متر مكعب، واشار المركز الى ان حجم الغاز المكتشف في فلسطين المحتلة يوازي 11% منه في سوريا و8% في لبنان، و31% في مصر وان ثلاثة حقول غاز في شمال تدمر تكفي لتزويد سوريا بالطاقة الكهربائية 24 ساعة يومياً لمدة 19 سنة وان الغاز في هذه المنطقة لا ينضب قبل عام 2052 ولذلك تم دحر كل المعارضين من تدمر حيث يوجد بحر من الغاز الطبيعي وصولا الى طرطوس وبانياس والحقول البحرية.